المساء
محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه " 26"
حدد عبدالحميد السحار العديد من أهداف الشريعة الإسلامية. ومنها اعتبار الربا من الخبائث. لأنه يقتلع جذور الروح الإنسانية. ويحرك الطمع في النفوس. وقد جاء الإنسان للقضاء علي الجشع. وتقوية الروابط بين الطبقات الاجتماعية. وعدم اثارة أسباب الصراع بينها.
في حجة الوداع. قام رسول الله صلي الله عليه وسلم خطيباً. فقال ــ فيما يشبه الإعلان القائم علي تعاليم السماء ـــ "أيها الناس اسمعوا قولي. فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيها الناس. إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلي أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا. وكحرمة شهركم هذا. وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وقد بلغت. فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلي من ائتمنه عليها. وإن كل ربا موضوع. ولكن لكم رءوس أموالكم. لا تظلمون ولا تظلمون. "قضي الله انه لا ربا".. إلي آخر الخطبة.
إن الإسلام يمدح المال. فهو من نعم الله. لكنه يذم طغيانه والبخل به. والغطرسة لامتلاكه. والرياء في إنفاقه. والإسلام يعرف جيداً ضرورة دوران المال. وانه كالدم لابد أن يدور دورته الكاملة في الجسم ليظل معافي. يؤدي كل عضو فيه دورته الكاملة علي خير وجه. لذلك ذم البخل. وحرم الكنز. وحض علي الانفاق. كذلك فإن الإسلام لا يقبل أن يكون المال في أيدي قلة من الناس. لا ينفقونه في الخير العام. كما لا يرضي الإسلام عن الطغيان. سواء كان طغيان أصحاب رءوس الأموال. أو طغيان العمال. فهو يقدس العدل. ويعطي كل ذي حق حقه. ويضرب علي أيدي العابثين بلا تفريق. فيقدم للناس حياة أكثر خصباً وغني. ويشبع طموح الإنسان إلي العدل المطلق. والحياة الحرة الكريمة.
والعمل هو الوسيلة المقابلة للرياء. فالمال ـــ كما يقول السحار ـــ عقيم. لا يلد وحده. بل لابد أن يتزوج العمل ليأتي بثمرة. وله أن يشترك في هذه الثمرة. سواء كانت حلوة أم مرة. فإذا كانت الثمرة كسباً شارك في الكسب. وإذا كانت خسارة تحَمّل نصيبه منها. حكمة ذلك اننا لو وضعنا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فوق سطح قطعة أرض بور ــ مثلاً ــ فستظل الأرض بوراً مادامت يد البشر لم تتعهدها بالإصلاح. الأمر نفسه إذا وضعناها في مصنع أو متجر. فالمال وحده عاجز عن أن يؤدي وظيفة منتجة. بينما العمل وحده يستطيع أن يثمر فيستحق مكافأة. يستحق أجراً. أما المال فهو لا يستحق ربا. بل يستحق نصيبه من المكسب أو الخسارة إذا ما اشترك مع العمل في الانتاج.
لا صلة بين تحريم الربا وذم المال. فالله سبحانه قد سمي المال خيراً. وفي الحديث الشريف: "نعم المال الصالح للرجل الصالح". وقال صلي الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً". والمال في الإسلام خادم لا خادم له. انه ضرورة لبقاء البدن باعتباره ضرورة لكمال النفس. المال آلة ووسيلة إلي مقصود صحيح. أما الربا ــ والقول للكاتب ــ فهو مفسدة. فمن أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه. فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر. ولأن الربا أيسر سبيل لكسب المال. فإنه يصرف ــ في الأغلب ــ في الشهوات وتحصيل اللذات. ومن كثر ماله كثرت حاجته إلي الناس. ومن احتاج إلي الناس فلابد أن ينافقهم. ويعصي الله في طلب رضاهم. فينطلق في طريق الهلاك.
غاية القول إن الله أحل البيع. وحرم الربا. فلا غني لمجتمع عن البيع والتجارة. عن العمل الذي يبذل فيه الناس جهداً وعرقاً. وقد نظم الإسلام التجارة. فلم يترك الحبل علـي الغارب. وإنما وضع من الأصول. وحض علي حسن المعاملة وحسن النية. ما جعل المجتمعات الإسلامية مثلاً أعلي للعلاقات الطيبة في المعاملات التجارية.
للكلام بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف