المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
بلال بن رباح نموذج في الصبر وقوة الاحتمال وحدانية الخالق تبارك وتعالي استقرت في قلبه وامتلكت وجدانه فكان يردد وهو تحت وطأة التعذيب أحد. أحد. عبادة الله وحده لا شريك له جعلته يستعذب القهر والإيذاء وعندما أخبر بأن الله أباح أن يتلفظ ببعض العبارات أمام الإرهاب والضرب والتعذيب تحت حرارة الشمس المرتفعة جداً بصور تجعل أي إنسان مهما تكن قوته أن يَفرَّ من التعذيب لكي يهرب من الإيذاء وحرارة الشمس الشديدة لكن بلال أخذ يردد الكلمة الحبيبة إلي قلبه أحد. أحد.. ورفض هذه الإباحة التي جاءت في قول الله تعالي: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" ــ 106 النحل ــ وقد منحه الحق تبارك وتعالي قوة الاحتمال والصبر ولم يخضع لقهر أسياده من الكفار رغم أن العبد يمتثل لأوامر سيده لكنه استمر علي موقفه الإيمان وانواره ترطب جسده الواقع تحت التعذيب.
من المواقف التي تعرض لها بلال في التعذيب ان أبا جهل كان يبطحه علي وجهه وسط حرارة الشمس ويضع الرحا عليه كي تصهره الشمس ويقول له أكفر بمحمد فينطلق لسانه بكل قوة قائلاً: أحد. أحد.. وقد مر به ذات يوم ورقة بن نوفل وهو من حكماء مكة وعلمائها وشاهد مأساة تعذيبه ومدي اصراره علي ترديد كلمة أحد. أحد. فقال ورقة: والله لئن مت علي هذا لأتخذن قبرك حنانا أي مظلة من رحمة الله فأتمسح به تبركاً وقد قام أبو بكر الصديق بشراء بلال بكمية من الذهب اختلف في وزنها ثم أعتقه لوجه الله تعالي.
شاءت الأقدار أن يتحرر بلال من هذا القهر الجسدي والمعنوي.. وأصبح مؤذناً لرسول الله صلي الله عليه وسلم فصدح بالأذان من فوق الكعبة. ليس هذا فحسب وإنما مَنْ الله عليه بأن منحه القوة حيث تمكن من قتل أمية بن خلف يوم بدر. وأمية هذا كان يعذب بلالاً ويتابع تعذيبه. مشيئة الله مكنت بلالاً كي ينال هذا الشرف.. وصار أول مؤذن في الإسلام. وقد شهد بلال المشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم والأكثر انه عندما حاول أحد الصحابة أن يقوم بالأذان بدلاً من بلال رفض رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلاً: دع بلالاً.. انه أندي منك صوتاً وظل بلال يحتل هذه المكانة والمنزلة يرطب بها قلبه ويعوض ما فاته أيام الإيذاء.
من المواقف المشرفة التي تتناقلها كتب السيرة والتراجم ان أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبو بكر. وخباب. وصهيب. وعمار. وبلال وسمية أم عمار. ومن المفارقات أن بلال هان علي قومه فكانوا يلعبون بين جبلي مكة حيث ربطوا في عنقه حبلاً وسلموه للصبية لكي يلعبوا سخرية واستهزاء لكن كانت نتيجة صبره أن تم اختياره لهذ المكانة لكي يرطب جوفه بكلمات الأذان. ويقال انه لما تعرف رسول الله صلي الله عليه وسلم أراد بلال أن يذهب إلي الشام فقال له أبو بكر: بل تظل عندي. فقال بلال: إن كنت قد أعتقتني لنفسك فاستبقني وإن أعتقتني لوجه الله فدعني أذهب إلي الله عز وجل فقال أبو بكر: اذهب فذهب إلي الشام وظل هناك حتي أدركته الوفاة. ويقال انه أذن لأبي بكر ولعمر ثم استأذن عمر وذهب إلي الشام حتي ان عمر رضي الله عنه لقيه أثناء فتح بيت المقدس فاقره بالشام.
ومن المواقف التي سجلتها كتب التاريخ أن بلال رأي النبي صلي الله عليه وسلم في منامه يقول: ما هذه الجفوة يا بلال أما أن لك أن تزورنا. فاستيقظ حزيناً وذهب إلي المدينة المنورة وتوجه إلي قبر النبي صلي الله عليه وسلم وأخذ يبكي وفي هذه اللحظات أقبل الإمامان الحسن والحسين فجعل يقبلهما. فقالا: تريد أن تؤذن فاستجاب وعلا سطح المسجد وعندما قال: الله أكبر. الله أكبر ارتجت المدينة فلما قال أشهر أن لا إله إلا الله. زادت رجتها فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله. خرج النساء من خدورهن فما رقي يوم أكثر باكياً. وباكية من ذلك اليوم. حيث استعاد هؤلاء ذكريات أيام الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. ذلك هدي الله يهدي به من يشاء من عباده وقد امتلك نور الإيمان وجدان بلال فسبحان مقلب القلوب والأبصار!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف