الوفد
علاء عريبى
حتى لا تكون فتنة
روى البخارى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه: أن أبا جحيفة قال للإمام على:
ــ هل عندكم شيء من الوحى ما ليس فى القرآن.
ــ قال الإمام على : لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله رجلا فى القرآن، وما فى هذه الصحيفة.
ــ قال أبو جحيفة: وما فى هذه الصحيفة؟
ــ قال الإمام على: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر»، وقد أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم. وصححه.
هذه الواقعة رواها البخارى فى صحيحه لكى يدلل على عدم قتل المسلم بالكافر، إذا قتل المسلم كافرا لأى سبب فلا قصاص على المسلم، لأن الفقهاء اتفقوا على عدم المساواة بين الكافر والمسلم، والكافر فى تعريف الفقهاء هو غير المسلم، أو الذى يدين بديانة أخرى، والكافر على أنواع، منه الذى يعيش فى كنف المسلمين ويسمى بالذمى، ومنه المعاهد وهو الذى دخل فى معاهدات مع المسلمين، ومنه المستأمن وهو الذى استأمنه المسلمون على دمه وماله، ومنهم المحارب وهو الذى يدخل فى حرب مع المسلمين.
المسلمون الأوائل لم يأخذوا القاعدة (ألا يقتل مسلم بكافر) على عمومها وعملوا على تنفيذها، بل فكروا فيها جيدا وأثاروا العديد من الأسئلة، فهل يتساوى الكافر الذمى مع المحارب، والمحارب مع المستأمن، والمستأمن مع المعاهد، كيف يقتل المسلم جاره الذمى ولا يقتص منه، هنا اختلف الفقهاء، بعضهم قال بالقاص للذمى والمعاهد، وبعضهم أخذ بتسديد دية فى الذمى والمعاهد والمستأمن، وبعضهم تمسك بالقاعدة ورفض القصاص والدية، واتفقوا جميعا على العمل بالقاعدة مع المحارب، فالمحارب لا دية ولا قصاص له لأن المفترض قتله وسلب غنائمه.
أبوحنيفة النعمان وتلاميذه كانوا أهم فريق خالف هذه القاعدة على عمومها، رغم وجود آثار منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام، فقالوا: إن المسلم إذا قتل الذمى أو المعاهد بغير حق، فإنه يقتل بالذمى ويدفع الدية للمعاهد، لأن الله تعالى يقول: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}، وأخرج البيهقى من حديث عبد الرحمن البيلمانى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل مسلما بمعاهد.
وقال الشعبي: يقتل المسلم بالكتابي، ولا يقتل بالمجوسي، وروى أن أبا موسى الأشعرى كتب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسأله عن مسلم قتل نصرانيا فكتب إليه عمر أن يقتاد منه.
وروى أن أبا يوسف(أبى يوسف يعقوب ت182هـ) تلميذ أبوحنيفة النعمان وصديقه، وأول من لقب فى الإسلام بلقب قاضى القضاة، قد تراجع عن رأى أستاذه قتل المسلم بالكافر، حكى أنه رفع إلى أبى يوسف القاضي، مسلم قتل كافرا، فحكم عليه بالقود(القتل)، فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه من شاعر بغدادى يكنى أبو المضرجى فيها مكتوب.
يا قاتل المسلم بالكافر... جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها... من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف... إذ يقتل المسلم بالكافر
فاسترجعوا وابكوا على دينكم... واصطبروا فالأجر للصابر
فأخذ أبو يوسف الرقعة، ودخل على الرشيد، فأخبره بالحال، وقرأ عليه الرقعة، فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا يكون منه فتنة، فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة، وأداء الجزية فلم يأتوا بها فأسقط القود وحكم الدية».هذه الواقعة رواها البغدادى فى تاريخ بغداد، والماوردى فى كتابيه الحاوى والأحكام السلطانية، وقد جاءت فى باب قتل المسلم بالكافر، وذكرت على سبيل التأكيد على تراجع أبى يوسف أو الحنفية بشكل عام عن قتل المسلم بالكافر، ومع هذا لم يتوقف الفقهاء أمامها كثيرا، وتعمل أغلب البلدان الإسلامية برأى أبو حنيفة، قتل المسلم بالذمى ولا يقتل بالمعاهد والحربى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف