هل تريدون - فعلاً - أن نبنى مصر من جديد! إذن عليكم بكثير من الصبر.. والتحمل.. وشد الحزام، وأن نقلل «لوثة» هذا الإسراف السفهى الشديد.. وكأن يوم القيامة هو.. غدًا.
ولقد خرجنا من اسراف طعام شهر رمضان، الذى أنفقنا فيه مثل كل ما ننفقه طوال 11 شهرًا ونسينا حكمة الصيام حتى نحس لهفة الجائع ومعاناة المحروم.. وخرجنا وقد زاد حجم كروشنا.. وأصبح المنافس الأول لكروش الطلاينة بالذات فى الجنوب الإيطالى، يا الله.. كله بحر متوسط.
<< أقول خرجنا من اسراف شهر رمضان ودخلنا فى اسراف نفقات العيد وكعك العيد، وكأن العيد لن يصبح عيدًا إلا بهذا الكعك والغريبة والبيتى فور والبسكويت، حتى ولو كان مجرد كعك سادة أو بالملبن فقط!! ترى: كم يأكل المصرى من هذا كله.. وكم منه يترسب فى الشرايين وفى الكروش أقول ذلك، رغم علمى أننى لن استطيع أن أغير من عادات عيد الفطر و«الفطرة» وهى مكسرات لزوم الكعك والغريبة، ولا مانع من ملابس العيد لزوم العيال، وفرحة العيد.
<< وبما أن شهر رمضان أصبح شهرًا للاسراف العظيم.. لماذا لا نتوكل على الله ونستجيب للحس الوطنى ونقلل من اسرافنا.. أى من نفقاتنا التى تتجاوز كل حد.. أقول ذلك لأن رمضان هو شهر الخيرات.. ولكننى أتكلم عمومًا عن اسرافنا طوال العام، وإذا كان الرئيس «السيسى» قد أصدر تعليمات للحكومة بضرورة خفض الإنفاق العام، أى الحكومى، فإن الأولى بنا نحن الشعب أن نخفض أيضا من نفقاتنا، وإذا حدث ذلك زادت مدخراتنا وبذلك تزداد قوة الجنيه المصرى، الذى يفقد كل يوم جزءًا من قيمته.
<< ولكن أهم ما أدعو إليه هو هذا الاستيراد السفهى للسلع الاستفزازية - وكما ضربت أمس مثلاً بما فعله الرئيس عبدالناصر - عندما منع استيراد السلع الاستفزازية وقصر الواردات على مستلزمات الانتاج.. فإننى أتمنى أن يصدر الرئيس السيسى شيئًا مماثلاً.. وأن يحدد السلع الضرورية التى لا يمكن الاستغناء عنها، وبالذات ما تحتاجه مصانعنا «الجادة» وليس مصانع المياه الغازية وشرائح البسكويت والبطاطس.. والمحمول وشرائحه التى تستنزف ربع دخل كل أسرة مصرية!!
وأن يتضمن هذا القرار السلع الممنوع استيرادها - ولو لمدة 10 سنوات - مسترشدين فى ذلك بتجارب الصين وكوريا الجنوبية مثلاً التى عانت كل دولة منهما الكثيرمن المرار حتى أكل شعبها كل شىء يتحرك فوق الأرض، وتحت الأرض، حتى جذور وأوراق النباتات.. والتزم كل مواطن برداء واحد متشابه - أشبه بالبدلة السفارى المعروفة.. إلى أن تمكنوا من بناء الصين الحديثة، التى أصبحت أعظم دولة صناعية وأقواها اقتصاديًا.. حتى أن أمريكا - بطلة العالم الحديث - أقامت أشهر مصانعها داخل الصين.. وكذلك فعلت اليابان.. فلم يعد ينتج داخل أمريكا وداخل اليابان إلا السلع التى لا يمكن التفريط فيها. فهل هذا ممكن؟
<< إن الصين وكوريا الجنوبية - وباقى النمور الآسيوية حتى بنجلاديش وهونج كونج وسنغافورة وتايلاند فعلت نفس الشىء.. أى بالاقتصاد الموجه وتحديد ما يستهلكه الفرد من هذه المنتجات.. أما الباقى وهو الأكثر فهو للتصدير.. الآن تنعم هذه الدول بثمرات هذا الاقتصاد الموجه وخلال 20 عامًا فقط صنعت هذه الدول معجزاتها.. حتى أن أشهر المصانع العالمية - وفى مختلف المنتجات - أصبحت تنتج ما اشتهرت بها دولها الأصلية، داخل الصين.
هنا يحق لمن طبق سياسة الاقتصاد الموجه أن تنعم شعوبه بالخير العميم الذى تحقق فيها.
وهنا لم تقم لا الصين ولا كوريا ولا باقى النمور - وزنًا لسياسة الاقتصاد الحر.. ومبادئ «دعه يعمل دعه يمر» فقد ضربت هذه الدول بكل ذلك عرض الحائط.. إلى أن صنعت معجزتها بنفسها، دون أى ديون خارجية، أو أعباء داخلية تلتهم الدخل القومى.
<< وأرى أن سياسة الانفتاح - واقتصاد السداح مباح - دمرت بالفعل الوطن المصرى.. وأمامنا الآن - وبعد ثورتى 25 يناير و30 يونية - فرصة ذهبية لإعادة بناء مصر.. بشرط أن تبدأ الحكومة بنفسها. وأن تقدم للأمة المصرية برنامجًا واضحًا للتقشف الحكومى.. وبالأرقام.. ولمدة 10 سنوات تلتزم به الحكومة، وأى حكومة قادمة.. وألا تخضع أبدًا لسياسة «تدليع الشعب» أى الاستجابة لرغبات الناس، وهم فى الأغلب الأثرياء، ومن يملكون، وأنا واثق أن الغالبية - وهى الفقيرة والمحرومة فعلاً - سوف ترحب بهذا التقشف.. ومرة أخرى.. بشرط أن نعلم جميعًا ما سوف تنفذه الحكومة من خفض للنفقات العامة.. وهذا «البهرجة» الواضحة لنا، فى كل مكان.