الجمهورية
د. أحمد دراج
المنسيون في المعركة مع الإرهاب
كانت سيناء علي مر التاريخ أهم معابر الهجرات البشرية في القرون الأولي للفتح الإسلامي. وكان موقعها الاستراتيجي يمثل البوابة الشرقية التي مر منها الأعداء إلي قلب الوادي حينا أو الصخرة التي تحطمت عليها أطماع الغزاة والطامعين في احتلال مركز العالم القديم أحياناً أخري. وظل أهالي سيناء من البدو في مرمي نيران السلطات المصرية المتعاقبة حديثاً كما ظلوا أسري حملات التشكيك في انتمائهم وإخلاصهم للوطن الأم في الوادي. وقد أدي هذا التصور الخاطئ إلي حرمانهم من فرص العمل والتملك وبناء البيوت والالتحاق بالقوات المسلحة والقوات الأمنية رغم الأدوار البطولية التي سجلها بعضهم بالانضمام لكتائب الفدائيين خلف خطوط العدو وفي مقاومة العدوان الثلاثي والاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء في أعقاب حرب يونيو .1967
ومازال عالقاً في الأذهان ذلك الدور الوطني الذي سجله التاريخ للشيخ سالم الهرش أكبر مشايخ سيناء في مؤتمر الحسنة الذي عقده موشي ديان في أكتوبر 1968 لنزع موافقة شيوخ سيناء علي الانفصال عن مصر الدولة الأم. فقال الرجل علي مرأي ومسمع من العالم "أعلن بصفتي كبير مشايخ سيناء أن سيناء كانت أرضاً مصرية عبر التاريخ وستظل مصرية" وأضاف: نرفض إعلان انفصال سيناء عن مصر الحبيبة. وأن أهالي سيناء ومشايخها يخضعون للسيادة المصرية رغم وجود الاحتلال الصهيوني.
واليوم تخوض الدولة المصرية معركة مصير علي أرض الفيروز ضد عصابات التكفير والإرهاب المحلي والعابر للحدود تلك الجماعات التي ترعرعت ونمت في أجواء قبلية منعزلة عن سلطة الدولة المركزية منذ سنوات وبفعل عوامل متعددة من أهمها الطبيعة الصحراوية القاسية والظلم التعليمي والصحي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي لوسط وشمال سيناء. هذا فضلاً عن التهميش والإهمال والازدراء والإقصاء السياسي.
في خضم الأحداث الجارية وفي ظل تركيز القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية علي مكافحة الإرهاب أمنياً واستئصال وجوده من تلك البقعة النفسية من أرض الوطن ينسي المجتمع المصري بكل مكوناته العسكرية والمدنية أن أهالي سيناء من رفح والشيخ زويد إلي العريش وقراها القائمين علي خط المواجهة الساخن يعيشون في ظروف حياتية وأمنية قاسية. فهم وأطفالهم ونساؤهم وشيوخهم محشورون بين البطالة وتوقف الأنشطة والأعمال الاقتصادية المحدودة وفزع نقص المواد الغذائية وانعدام الأمن والتهجير وحظر التجوال إما تحت القصف العشوائي والتهديد بالقتل والاغتيال من العناصر الإرهابية أو خضوعاً لمتطلبات قانون الطوارئ.
يتحدث سكان الشيخ زويد الفارين من ويلات المعركة مع جماعات التكفير والإرهاب من حمامات الدم وضيق الرزق وظلام الخوف إلي المناطق المجاورة في العريش أو الإسماعيلية وغيرها عن حالة الفزع التي تتملك أطفالهم من جراء الرعب المقيم كضيف في الحارات والشوارع والكهوف. وتباطؤ الدولة في الاستجابة لمتطلبات حياتهم الطبيعية وأمنهم من مسكن ومأكل وانتقال. لم يفكر أحد من المسئولين أو من عامة الشعب كيف تعاني تلك الأسر في حلها وترحالها في ظل سيادة جشع سائقي سيارات الأجرة وسماسرة العقارات واستغلال الظروف السائدة في المجتمع فهل عجزت الدولة عن توفير وسائل انتقال آدمية آمنة لهم ولأطفالهم ونسائهم عند هروبهم من جحيم المعارك المستعرة مع الإرهابيين. ألا ينبغي تعويض هؤلاء المصريين من أهالي سيناء عما عانوه من تقصير الدولة ومؤسساتها في علاج مشاكلهم لعدة عقود؟ ألم يحن الوقت بعد للاهتمام بأطفال أهالي سيناء ورعايتهم نفسياً وتعليمياً وصحياً بعد تعرضهم لتلك الضغوط النفسية الهائلة؟ إذا كنا نريد محاصرة الإرهاب فعلاً فلنحاصره فكرياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً. فلنحمي مستقبل بلادنا بتوفير الرعاية النفسية والتعليمية والصحية لأبناء هذا البلد وأبناء سيناء وشبابهم ونسائهم في المقدمة منهم. فهذه أول الخطي علي الطريق الصحيح. فرعاية المنسيين والمهمشين في المعركة مع الإرهاب هي الأولي والأحق بالاهتمام بدلاً من الحرص المبالغ فيه لحماية مصالح رجال الأعمال. فهل من مجيب؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف