محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "28"
أدي محمد صلي الله عليه وسلم فريضة الحج. وعاد إلي المدينة. واجتمع إليه الناس. فقال: أما بعد. أيها الناس فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم. فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه. ومن كنت شتمت له عرضاً. فهذا عرضي فليستقد منه. ألا وإن الشحناء ليس من طبعي ولا من شأني. ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقاً إن كان له. أو حلّلني فلقيت الله وأنا أطيب النفس. وقد أري أن هذا غير مغن عني حتي أقوم فيكم مراراً.
ثم نزل فصلي الظهر. وعاد فجلس علي المنبر. وواصل مقالته.
وفي يوم تال. خرج رسول الله عاصباً رأسه حتي جلس علي المنبر. وكان أول ما تكلم به أن صلي علي أصحاب أحد. فأكثر الدعاء لهم. واستغفر لهم. ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله. فاختار ذلك العبد ما عند الله.
فهم أبو بكر معني الكلمات. فبكي وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا.
قال الرسول: علي رسلك يا أبا بكر.
ثم قال: انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد. فسدوها إلا بيت أبي بكر. فإني لا أعلم أحداً كان أفضل في الصحبة عندي منه.
وسدت جميع الأبواب. عدا باب أبي بكر. وتحدث الرسول فاستوصي المهاجرين بالأنصار خيراً. ونزل إلي بيت عائشة. وحين قدم الليل أذن بلال بالعشاء. وأراد الرسول أن يذهب فأغمي عليه. فلما أفاق سأل: أصلي الناس؟ فلما تهيأ للذهاب أغمي عليه ثانية. وثالثة. ثم قال: لا أستطيع الصلاة خارجاً. مروا أبا بكر فليصل بالناس.
وحين دخل صلوات الله عليه في الموت. تكرر إغماؤه. وإفاقته. ثم اشتد به الأمر. فأدخل يده في قدح ماء. ومسح وجهه. وقال: اللهم أعني علي سكرات الموت.
ووجدت السيدة عائشة رسول الله يثقل في حجرها. وشخص بصره وقال: بل الرفيق الأعلي والجنة.
صدرت من دور الرسول صرخة. فهرع إليها المسلمون. لكن العباس سبقهم. فدخل وأغلق الباب دونهم. فقالت عائشة: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق.
وخرج العباس إلي الناس. فنعي رسول الله. وجاء عمر وعثمان وعلي. وصك العويل أسماعهم. وخطب عمر في المسجد. فقال: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مات. ولكن ما مات. ذهب إلي ربه كما ذهب موسي بن عمران عليه السلام. ثم رجع إلي قومه بعد أربعين ليلة. بعد أن قيل قد مات.
وتوعد عمر المنافقين حتي أزبد شدقاه. ولم يصدق الناس أن خليل الله وحبيبه ونجيه وصفيه ورسوله ونبيه يموت. أحقاً قد انقطع عن الأرض وحي السماء؟
وبلغ أبو بكر ما جري. فمضي إلي المسجد. حيث كان عمر يخطب الناس. فلم يلتفت إلي شيء حتي دخل علي الرسول في بيت عائشة وعيناه تهملان. ورسول الله مسجي في ناحية البيت. عليه برد حبرة. وكشف أبو بكر عن وجه الرسول. وقبله. ثم قال: بأبي أنت وأمي. طبت حياً وميتاً. أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها. ثم لن يصيبك بعدها موتة أبداً.
ثم رد الثوب علي وجهه. وخرج إلي عمر وهو يكلم الناس. قال أبو بكر: علي رسلك يا عمر. فأنصت. لكن عمر أراد أن يواصل الكلام. فأقبل أبو بكر علي الناس. وحمد الله وأثني عليه. ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمداً. فإن محمداً قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ودهش عمر. ووقع إلي الأرض لا تقوي قدماه علي حمله. وقال من بين دموعه: إنا لله وإنا إليه راجعون. صلوات الله وسلامه علي رسول الله.
للكلام بقية