هداية الله وأنوار اليقين وقوة الإرادة في الانضمام إلي دعوة الحق التي انبثقت في رحاب مكة المكرمة علي لسان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم صارت من العلامات المميزة لأهل المدينة المنورة منذ أن بايعوا رسول الله صلي الله عليه وسلم في العقبة علي مدي ثلاث مرات متعاقبة. معالم الحق جذبت هؤلاء الذين عندما عرفوا من أهل مكة بالدين الجديد ولم يلتفتوا إلي الدعوات المناوئة لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وتوافدوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبمجرد أن استمعوا إلي الرسول صلي الله عليه وسلم أذعنوا للحق ودخلوا في دين الله طواعية وبلا تردد. والأكثر أنهم تعهدوا للرسول صلي الله عليه وسلم بأن يمنعوه مما يمنعون عنه نساءهم وأبناءهم.. ولذلك بادلهم الرسول الكريم حباً بحب واختار ديارهم للإقامة بها حتي أن مثوي العظام الطاهر لسيد الخلق في هذه المدينة المنورة. بركات تتدفق علي المدينة وأهلها فهنيئاً لهم بهذا الجوار الطيب. ومن يفز بحبيب الله بنك العطاء والبركات من الحق سبحانه وتعالي.
وهذا واحد من هؤلاء الرجال الأبرار انه خالد ابن زيد أبو أيوب الأنصاري الخزرجي وهو مشهور بكنيته. وقد شهد العقبة وبدر وأحد وكل المشاهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهو الذي اختاره رسول الله صلي الله عليه وسلم للاقامة في داره حين جاء من مكة مهاجراً إلي المدينة المنورة. وكفي بذلك شرفاً. ولعل ما يضفي كثيراً من المعاني وأواصر الحب التي ربطت بين أبناء المدينة المنورة وسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وأكثرها إضاءة تلك المشاهد الحافلة بالمشاعر والحب والمودة التي أحاطت هذه القلوب بموكب الرسول الكريم حين شرفت به ديارهم. فقد كان الموكب حين وصل المدينة استقبلته القبائل بحفاوة وترحاب تتضاءل الكلمات لوصفه. فقد كان الموكب عندما وصل اعترضه بنو سالم بن عوف. فقالوا هلم إلي العدد والعدة والقوة انزل بين أظهرنا. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ضلوا سبيلها فأنها مأمورة يقصد الرسول صلي الله عليه وسلم الراحلة التي يركبها وهكذا حين مر الموكب ببني وبياضه وبني ساعدة ثم بأخواله بني عدي بن النجار وعندما وصلت دار أبو أيوب الأنصاري بركت الناقة ثم حمل أبو أيوب فأدخله بينهت ثم أمر الرسول ببناء المسجد.
وقد استقر الرسول صلي الله عليه وسلم بالطابق الأول. وأقام أبو أيوب الأنصاري بالطابق الثاني فانسكب ماء في الغرفة التي نقيم بها فأخذت أنا وأم أيوب قطعة قماش قطيفة وأخذنا نتتبع الماء لتجفيفها خوفاً من أن تتسرب إلي مقر الرسول صلي الله عليه وسلم. ثم نزلت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي داخلي شفقة وحياء فقلت يا رسول الله: ليس ينبغي أن نكون فوقك. فانتقل إلي الغرفة وأمر بنقل متاعة إليها. وقد كان أبو أيوب يحرص علي أن يأكل من الطعام حين يري به أصابع الرسول صلي الله عليه وسلم بعد أن يمر عليه وذلك تبركاً وفي أحد المرات لم تقع عينه علي أصابع النبي صلي الله عليه وسلم فأتجه يسأل الرسول لماذا لم ير آثار أصابة فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: لأن بالطعام بصلاً أو ثوم فكرت أن أكل من أجل المَلكَ أما أنتم فكلوا وقد روي عنه أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم كثير من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك. وقد كان أبو أيوب محل تقدير واهتمام الصحابة فقد تنازل ابن عباس عن دار مقابل تنازل أبو أيوب عن داره لرسول الله وعندما آلت الخلافة للإمام علي رضي الله عنه ضاعف عطاءه خمس مرات حيث اعطاه 20 ألف دينار واعطاه أربعين عبداً يعملون لخدمته. هذه بعض الجوانب المشرقة في حياة رجل من أهل المدينة استقر نور الإيمان في قلبه ويكفيه شرفاً أن الرسول صلي الله عليه وسلم أختار داره للاقامة بها.. وقد توفي أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين من الهجرة ودفن بالقرب من القسطنطينية رحمه الله رحمة واسعة.