حقيقة الكمال لله وحده.. ولكن شدتنى نتيجة الثانوية العامة.. والدرجات النهائية التى حصل عليها الطلبة.. فهل نحن بهذا الذكاء الخارق الذى يجعلنا نحل على الدرجات النهائية.. فى كل المواد.. وإذا كنا فعلاً كذلك، فماذا يحدث لهؤلاء المتفوقين، بعد ذلك، فى دراساتهم الجامعية، وهل يستمر تفوقهم وهل طالب هذا الزمان هو الطالب «العام» المتفوق فى الحياة.. كما هو كذلك، فى الثانوية العامة.. تلك أسئلة تلح على عقلى وتجعلنى أتساءل لماذا لا يستمر هذا التفوق، بعد ذلك، كما هو الحال فى الدول الأخرى؟!
<< وما يجعلن فى حيرة من أمرى تلك الدرجات النهائية، فى المواد التى يختلف فيها الرأى، من أستاذ إلى آخر، أقصد من مصحح الى آخر، وفى مقدمتها اللغة العربية وبالذات فى موضوعات الإنشاء أى التعبير.. وفى الأدب وبالذات فى شرح أبيات الشعر.. وهنا أسأل: هل يلتزم المصحح بنموذج واحد لتصحيح ذلك، وهل كتب الطالب موضوع التعبير دون أن يخطىء ولو فى «حرف جر» أو كان وأخواتها.. وإذا لم يكن قد أخطأ.. فهل خط الطالب كان واضحاً، ومقبولاً.. بل ومقروءاً. وهل اتبع القواعد السليمة فى الكتابة من حيث حروف التاج والتزامه بالخط. وهل كتب موضوعه بخط الرقعة أم النسخ، ولا أصعبها فاسأل: ماذا عن الخط الفارسى أوالثلث ناهيك عن الخط الديوانى.. وكلها خطوط أتحدى إن كان أساتذة اللغة العربية مازالوا يعرفونها.. ورحم الله حصص الخط العربى.. على أيامنا.
<< وهل التزم الطالب بقواعد الكتابة.. أى «نقطة ومن أول السطر» مع ترك مسافة فى أول كل فقرة جديدة.. وهل التزم بعلامات الترقيم والحروف المنقوطة وغيرها.. ألم يخطئ خطأ واحداً فى قواعد النحو والصرف، فى كل موضوع التعبير.
ان كان كل ذلك لم يحدث من الطالب، فنحن أمام طالب شديد النبوغ، فى اللغة العربية.. لغة الضاد، ان عرف الطالب سبب تسميتها بلغة الضاد!
ونفس الشىء فى اللغات الأجنبي.. ورحم الله أياماً كانوا يخصصون لنا حصصاً لتحسين خطوطنا ونحن نكتب هذه اللغات الأجنبية، ومن أيام الدراسة الابتدائية.. أما الآن يكاد الطالب لا يعرف قواعد الكتابة لا بلغته الأصلية ـ القومية ـ ولا حتى باللغة الأجنبية التى اختارها إنجليزية أو فرنسية أو ألمانية، أو حتى يابانية وصينية فضلاً عن الايطالية. وهنا أتذكر تشدد عميدنا العظيم طه حسين الذى كان يصر على تدريس اللغة اللاتينية القديمة فى المناهج، باعتبارها الأم الشرعى لكل اللغات الأوروبة الحديثة فى البحر المتوسط.
<< وقد يكون مقبولاً ـ وهذا أمر طبيعى ـ أن يحصل الطالب على الدرجات النهائية فى الهندسة والفيزياء والرياضيات وغيرها من علوم، لأنها كلها تقوم على نظريات وقواعد علمية ثابتة، يعنى واحد زائد واحد يسوى اثنين وهكذا يحصل الطالب على الدرجة النهائية فى هذه المواد.. أما حصوله على الدرجات النهائية فى مواد تعتمد على التعبير فهذا هو الأمر المثير للجدل.
وفى جيلنا.. كاتن النابغ منا يحصل على مجموع 75٪ مثلاً.. ولم أسمع أيامها عن ان طالباً ـ فى التوجيهية ـ أو الثانوية العامة فى بداياتها قد حصل على 80٪ مثلاً لأن هذا كان هو الإعجاز، الذى لم نسمع عنه كثيراً.. رغم أن التعليم زمان كان أفضل 1000٪ مما هو الآن. فهل كان المصحح زمان يتشدد ـ وهو يصحح ـ أم أن نسبة النجاح الآن هى «قرار سياسى» حتى «ينبسط» الكل وتتفاخر الأسر.. وتتباهى.
<< والطريف أن جيلنا صاحب الـ70٪ كان أفضل تعليمياً وعلمياً من الأجيال الآن.. بدليل أن جامعات العالم كانت تقبل طلابنا المبعوثين للدراست فى الخارج، دون أى نقاش.. بل ودون أى معادلة أو امتحانات معادلة.. الآن ـ رغم هذه المجاميع النهائية ـ لم تعد جامعات العالم تقبل طلابنا ـ هؤلاء ـ أصحاب 100٪ دون امتحانات معادلة بسبب تدنى مستوى التعليم الآن عندنا.
ويبدو أننا نبحث عن التعليم الكمى، وليس الكيف.. يعنى نهتم أكثر بالعدد دون أن نهتم بما حصل عليه الطالب من تعليم.. ولهذا انهار التعليم فى مصر.. وفقدنا الريادة التعليمية فى المنطقة كلها.
<< وأقولها صراحة: هل أولادنا فعلاً متفوقون تعليمياً، وهل يدرون شيئاً من أصول الحياة.. أم يكتفون بهذه المجاميع النهائية.. ولكننا لا نرى انعكاساً لهذا «التفوق الظاهرى» فى مستوى التعليم.
تلك قضية تحتاج الى دراسة.. ممن يفهمون، بشرط ألا يكونوا قد حصلوا على الدرجات النهائية.. إياها!!