عيد سعيد عليكم وعلي أحبابكم. أنت فرحان وأنا أيضا، ليست مجرد فرحة العيد، بل فرحة رجل يجلس بجوار بطلين، فعلي يساري اﻵن اللواء عصمت مراد مدير الكلية الحربية مصنع الرجال، وبجواره العقيد ساطع النعماني الذي تلقي رصاصات الغدر والإرهاب في بين السرايات وسافر في رحلة علاج طويلة عاد منها وقد كف بصره، لكنه صاحب بصيرة قوية. ثلاثتنا يجلس اﻵن، يوم الوقفة، داخل مستشفي سرطان اﻷطفال نشاهد من جديد طاقة أمل حقيقية لو عملت مصر بنفس أسلوبها في الإدارة لتغيرت حياتنا جميعا..
أتجول اﻵن معهم، وأكتب المقال علي الواتس أب في اللحظات اﻷخيرة وفي تجربة مختلفة لصحفي يكتب مقاله وهو يمشي !!!
طلبة الكلية الحربية يتبرعون بشكل منتظم للمستشفي منذ سنوات، وزاد في إصرارهم علي التبرع وجود شهدائهم علي ومحمد وإسماعيل علي رأس شهداء مصر اﻷبرار.
تصلني اﻵن علي الواتس أب صور من قلب سجن القناطر الذي يحتفل بالإفراج عن غارمات ضمن مبادرة رئيس الجمهورية مصر بلا غارمات. قصص الغارمات تقطع القلب، لكن جهد العديد من الجهات لعلاجها يشرح القلب الحزين، في الليلة السابقة مثلا كانت الداخلية تفرج عن مجموعة من الغارمات بتبرعات ضباطها تنفيذا لاقتراح ضابط محترم، فيما كان قسم الموسكي ينظم إفطارا للمحتجزين !!
نمشي اﻵن ونري بابا سمي باسم طلبة الكلية الحربية. يتوقف اللواء عصمت أمامه وينظر لصور الشهداء من أبنائه ويبتسم مدركا أنهم في مكان أفضل.
في هذه اللحظة تتوجه مجموعة من شباب الإعلاميين بصحبة أعضاء من المجلس الاستشاري لتنمية المجتمع وأعضاء محترمين من مكتب رئيس الجمهورية إلي القليوبية لتسليم بيوت محترمة لمجموعة من السكان عاشوا أكثر من ثماني سنوات في أماكن غير آدمية بالمرة وها هم اﻵن يدخلون بيزتهم بالزغاريد وفرحة تكفي الكون وتفيض.
أنت اﻵن ما بين غير مصدق أو تظن ظن السوء في الكاتب الذي تقرأ له اﻵن علي اعتبار أنه شايف الدنيا وردي..
بالطبع ليست زردية، فهناك من يسئ لكل ما يحدث بقرار غبي يصنع من شيوخ تواروا خلف مواقفهم المتلونة أبطالا، وهناك من يتجاوز في الشرطة ليصدر صورة سيئة ويمحو أمام كثيرين جهد محترم من زملائه، وهناك إدارة لاتزال تتحسس خطاها بحثا عن إنجاز كبير يجعل الناس البسيطة تشعر أن ثمة تغيرا إيجابيا يمكن أن يحدث، وهناك إعلام يتبني خطابا هستيريا وتحريضيا ويركز علي الإثارة والاشتباك أكثر من تركيزه علي البناء والحوار والتنمية.
هناك مظلومون في السجون نريد أن يخرجوا، لكننا نحلم بآلية لعدم دخول المظلوم من اﻷساس السجن. هناك قضاء في حاجة لتطوير وقطاع صحي مهترئ وتعليم لم نبدأ بعد في إصلاحه كما يجب، وهناك خطاب ديني في حاجة لتطوير حقيقي بعيدا عن الضرب تحت الحزام بين اﻷزهر واﻷوقاف وداخلهما.
أنت اﻵن فرحان بالعيد، لكن أمامي اﻵن أم تبكي داخل المستشفي بعد أن علمت أن ابنها مصاب بسرطان الدم، ويطمئنها د.شريف أبو النجا بأن سرطان الدم الحمد لله (بيخف).
أنت اﻵن فرحان وتتذكر العجل في العيد وخروجاتك مع أصحابك وشيلك للصاجات للفرن وهي تحمل الكحك الذي نقشته الحاجة وروحك تهفو إليه بعد أن أصبح كل شئ جاهزا وديليفري، بينما هناك أسر مات أبناؤها وأحبابها شهداء تذكرهم أنت بدعوة أو بزيارة ولتتذكرهم الدولة ولا تنساهم.
أنت اﻵن تغني : العيد فرحة، وتبحث عن أي بائع بمب وتتهيأ لأكلة الرنجة، وآخرون في قناة السويس يستعدون لانهاء أعمالهم انتظارا لافتتاح محترم يليق بمصر.
كل سنة وانت طيب وبخير وسعادة وخائف علي بلدك لكنك لا تهدمها. تزعل منها زعلك من أمك التي لا تستغني عنها والتي تدعو عليك وتكره اللي يقول آمين.
كل سنة وانت إنسان وتحاول الحفاظ علي إنسانيتك وجاهز لسند بلدك ورقبتك سدادة وتعرف أنه مهما حدث، فمصر أم الدنيا، ومصر لا تموت.