لويس جرجس
بيرم التونسي و"جنان" الموبايلات والمسلسلات
كل عيد فطر وكل المصريين بخير وسعادة ومحققين كل أمنياتهم الشخصية والعامة وبمناسبة الأمنيات التي تنتظر التحقق. تذكرت شاعر العامية الكبير بيرم التونسي في قصيدته الشهيرة "هاتجن يا ريت يا خوانا مارحتش لندن ولا باريس" وفيها ينتقد أوضاعا اجتماعية يراها غير مناسبة لأناس أصحاب حضارة علموها للدنيا فتفوق التلاميذ علي الأستاذ وأصبحنا نحن نتمني أن نصبح مثلهم في التخلص من عادات كثيرة مستهجنة.
وإذا كان التونسي انتقد منذ عشرات السنين من يسير في الشارع يقشر خس أو يقزقز لب أسمر وسوداني وحمص وخناقات الأفراح في نص الليل والصوات في وش الفجر علي ميت والحلفان والمناهدة في فصال البيع والشراء وخلافه. أقول إذا كان هذا كل ما رآه عيوبا اجتماعية وعادات سيئة يجب التخلص منها. فماذا كان سيخرج لنا من أشعار لو عاش عصر الموبايلات اللي شاغلة الناس عن مسئولياتهم في الشغل وفي البيت والتي تتسبب في كوارث مميتة بسبب استعمالها أثناء قيادة السيارات دون تركيز أو أثناء عبور الشوارع وهم منهمكين في التحدث بها؟
ماذا كان سيقول لو عاش في عصر تري فيها رجلا محترما ينزل من شقته في حي راق وقبل أن يركب سيارته الملاكي في الصباح يفتح كيس القمامة المنزلية ويكبها علي الرصيف ويأخذ الكيس معه ليستعمله مرة أخري؟
ماذا كان سيقول لو رأي سائق سيارة أو موتوسيكل أو توك توك يسير عكس الاتجاه في الشارع ويتعمد اطلاق "الكلاكس الجهوري" بصورة مزعجة جدا لتنبيه القادمين من الاتجاه الصحيح؟ أو الآخر الذي يزعج الجميع بالكلاكس العالي المتواصل دون أي سبب بالنهار أو في نص الليل. بينما رجل المرور لا يحاسبه علي هذا الازعاج الذي يجرمه قانون المرور؟
وماذا كان سيكتب لو رأي أصحاب المحلات يحتلون الأرصفة ببضاعتهم ولا يتركون للمشاة فرصة السير بأمان. بينما السيارات تملأ الشوارع وتحيلها إلي غابة يصعب السير وسطها؟
وماذا سيكون رد فعله لو رأي صاحب محل جديد يأتي في الافتتاح بكل أنواع الازعاج السمعي الذي يطير بسببه النوم من العيون ولا يحترم حق مريض أو تلميذ يذاكر أو راغب في قليل من الراحة قبل أن يواصل عمله؟
وماذا كان سيكتب لو تابع إعلانات تليفزيونية تدعو من يتعرض لمثل الازعاج السابق إلي حل بسيط وهو ترك السكن والانتقال إلي "كومباوند" هادئ وطبعا بسعر يصل إلي مليون جنيه أو أقل قليلاً وكأن كل من يعاني من الازعاج في شارعه يملك هذا الحل السحري؟
وماذا كان سيخرج منه شعرا أو زجلاً لو تابع مسلسلات تليفزيونية مملوءة بمشاهد عنف دموي مقزز واغتصاب وادمان دون مبرر درامي أو علاج علمي للظاهرة.
يا عم بيرم دا انت كنت في نعمة ومش داري ولكن مع العيد علينا أن نواصل التفاؤل والأمل في القضاء علي هذه السلبيات الاجتماعية ونردد معك كما كتبت في نهاية قصيدتك :
"دول ناس كنا أحسن منهم قول ومسيرنا بإذن الله
نبقي أحسن منهم برضك بعد الدرس اللي أخدناه
والله ده عيب نتهجي دروس يا أساتذة علي التلاميذ".