عباس الطرابيلى
سمك القرش مملحًا ومقليًا!
الزميلة «المصرى اليوم» نشرت أمس موضوعًا عن عشق أهالى القصير للسمك الناشف، الذى يأكلونه صباح يوم العيد.. تمامًا كما يعشق معظم المصريين تناول الكعك.. فى العيد.. وأشهره هناك سمك «الحريد» وسمك أبوقرن الذى يباع بالواحدة، هناك بعض الأنواع الأخرى.
ونسينا أن أثرياء المصريين كانوا يعشقون أكل سمك الباكلاه، وهو نوع من السمك المجفف كان «يعلق» فى واجهة محلات البقالة الفاخرة فى الأسبوع الأخير من رمضان ليؤكل أيضًا أول أيام العيد.. مقليًا أو طواجن أو صوانى.. وهو فرنسى الأصل، وأيضًا من شمال ايطاليا.
<< ولكن أهل الخليج العربى يعرفون أيضًا تجفيف الأسماك، بسبب كثرتها هناك.. وهم ـ فى المناطق الشمالية من دولة الإمارات «عجمان وأم القيوين ورأس الخيمة، وأيضًا فى المنطقة الشرقية، أى فى إمارة الفجيرة يعرفون أيضًا تجفيف أسماك السردين ويطلقون عليها هناك اسم «العومة» لأن أسراب السردين تعوم علي وجه مياه الخليج العربى، وخليج عمان.. وهم يفرشون هذه الأسماك على طول الشواطئ حتى تجف بحرارة الشمس. ثم يجمعونها، والجيد منها ينقلونه إلى داخل البلاد، أى إلي البدو ليأكلوه طعامًا هنيًا فى الصالونة أى الصلصة المصنوعة من الطماطم.. أو يدفنوها فى العيش، أى الأرز أما الأنواع الصغيرة فانهم يستخدمونها سمادًا للأرض الزراعية وبالذات لمزارع الدخان، أى التومباك، أو الدخن ليحصلوا علي أفضل أشجار للدخان يزيد ارتفاعها عن قامة الإنسان هناك.. والجيد، وما يستخدم كسماد ينقل فى أجولة إلى المدن والقرى الداخلية..
<< وهناك أنواع أخرى من الأسماك يتم تجفيفها ـ أيضًا فى دول الخليج، وبالذات فى رأس الخيمة وأحيانًا فى منطقة البطين بمدينة أبوظبى، أو فى منطقة طريف وجبل الظنة، بالمنطقة الغربية من إمارة أبوظبى، منها أسماك الكنعد وهى من أنواع سمك الماكريل، والتونة.. إذ يتم شق البطن وإزالة الأحشاء ثم تعلق فى الهواء الطلق حتى تجف.. ثم تباع لعشاقها أيضًا بالمدن الداخلية.. وهى أسماك دسمة كثيرة اللحم قليلة الشوك والعظام ولذلك يحبها الكل من الأطفال إلى الكبار.
وهذه بالطبع غير طريقة التمليح.. وتتم أيضًا بعد إزالة الأحشاء وترش بالملح الخشن.. وتعلق فى الهواء علي أسلاك أو علي جذوع النخيل حتى تجف.. وهذه تعمر أكثر.
<< وأبناء إمارة رأس الخيمة وبالذات منطقة شعن تشتهر بصيد أسماك القرش «اليريور» أى الجرجور، وهم يجففونها ويتم تمليحها بعد إزالة الرأس والأحشاء.. أما الذيل والزعانف فيتم تصديرها بعد تجفيفها إلي اليابان ليصنعوا منها أغلى طبق شوربة فى العالم هى شوربة «أو حساء» ذيول وزعانف سمك القرش الذى تتحول فيه هذه الزعانف إلي ما يشبه «الشعرية» وطبق الشوربة منها ثمنه 100 دولار، فى اليابان طبعًا.. أما لحم سمك القرش نفسه المجفف أو المملح فهو أيضًا غالى الثمن.
ولكن الأغلى هو لحم «ولد الولد» أى أسماك القرش الصغيرة بمجرد ولادتها.. ويعتقدون فى قدرتها الجنسية ويصفونها بأنها كانت فياجرا العصور السابقة، وهى تغسل بالطحين ثم تخلط بالتوابل وتحمر فى الزيت والبصل بكميات كبيرة.. وترش علي صوانى العيش، أى الأرز كما نرش، نحن. تقلية البصل علي وش طبق الكشرى، وهذا الطبق هناك ـ وفى معظم مناطق الخليج من الكويت إلي قطر والبحرين والمنطقة الشرقية من السعودية من أغلى الأطباق.. ودائمًا ما كنت أطلبه كلما زرت أصدقائى من شيوخ وأمراء الخليج، أيام الصبا والشباب، ويا ليت الشباب، يعود يومًا..!
<< وهناك طرق عديدة لحفظ الأسماك.. منها التفسيخ، أى تحويل العائلة البورية إلي فسيخ.. ولا تصلح أنواع البلطى والدنيس للتمليح.. وإن كانت الملوحة تصنع ـ فى صعيد مصر ـ من السمك الكلابى، وهو أيضًا من العائلة البورية، أو بورى المياه الحلوة.. من أخوار الصعيد وبحيرة السد..
ودول شمال غرب أوروبا تلجأ إلى نظام التمليح ثم التدخين لحفظ الاسماك وبالذات أسماك الرنجة، التي يعشقها أيضًا كل المصريين.
وهم ـ هناك أيضًا ـ يحفظون أسماك الرنجة فى محلول ملحى مع إضافة بعض الاعشاب.. وهذا «الهيرنج» المملح عشقته كثيرًا وأطلبه كلما ذهبت إلي هولندا، ويباع علي النواصى علي عربات تشبه عربات الفول والطعمية ويتم تقشيرها وإزالة أشواكها أمامك واقفًا أمام العربة وتقدم للزبون ومعها عيدان تسليك الأسنان مقطعة مع قطع من الخيار والفلفل الرومى المخلل.. وهى من ألذ الأطعمة التي أكلتها فى هولندا.
<< وبالطبع هناك نظام تجميد الأسماك بمجرد صيدها ثم عرضها بالأسواق مجمدة.. كلها «لحمًا طريًا.. مما رزقنا الله سبحانه وتعالى».