المساء
محمد جبريل
مسلسلات رمضان
أرغمتني ظروفي الصحية أن أمضي شهر رمضان ضيفاً علي الشاشة الصغيرة. أشاهد برامج القنوات الفضائية. وأحاول احتراماً لرغبة المشاهدين ــ أفراد أسرتي بالطبع ــ أن أتابع طوفان مسلسلاتها.
الرقم غريب. قيل انه جاوز المائتي مسلسل. بحيث يصعب تصور امكانية ملاحقة كل الأحداث. وتبين الفوارق بين الشخصيات. والحكم علي المستويات الفنية. حتي لو حصل المرء علي اجازة. وحتي لو تنطع جالساً أمام التليفزيون ليله ونهاره. لا يتحرك!
في أوائل ستينيات القرن الماضي عاب المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف ــ وهو يدرس لنا فن كتابة السيناريو ــ علي كادرات غالبية الأفلام المصرية انها تتحدد في غرفة النوم والبار وقسم الشرطة وقاعة المحكمة.
تلك هي الأرضية التي كانت تتحرك فيها أحداث الأفلام آنذاك. حتي تصل إلي الكادر الأخير وهو كوشة الفرح. يغني المطرب. وتتأود الراقصة. ويردد الحضور: يا نجف بنور يا زين العرسان!
ظني ان المسلسلات التليفزيونية أضافت إلي أفلامنا القديمة أبعاداً جديدة. لم تعد تقتصر علي الكادرات المحددة والمحدودة. بل تجاوزتها إلي غابة المدينة في تصور السادة فنيي الدراما التليفزيونية. تحولت الكادرات إلي عشوائيات تطفح بالجريمة والعدوانية والإدمان. نقل الواقع هو المعني الذي يستهدفه صناع السينما. لكن المشاهدين يجدون في المسلسلات عالماً غريباً. أبعد ما يكون عن ملامسة مشاعرهم واهتماماتهم.
حتي المفردات اللغوية التي يستخدمها أبطال هذه المسلسلات. تنطق بكل ما ينبو عن الذوق. ويعبر عن عوالم غريبة لا نعرفها. وبعد أن تركت الأفلام القديمة تعبيرات مثل: نشنت يا فالح.. نورماندي تو.. كلمتي ما تنزلش الأرض أبداً.. ماتبسطهاش أوي كدة..جواز عتريس من فؤادة باطل.. وغيرها. فإن المسلسلات تطالعنا بمفردات جديدة من اختراع أذهان مريضة. وليس من واقع البيئة التي يزعمون التعبير عنها.
بالمناسبة. لا أعرف سر هذا الاصرار الغريب علي أن تكون الأم ــ أنقي من في حياتنا ــ موضعاً للكلمات البذيئة؟.
إذا كان الكثيرون قد وجدوا في الإعلانات عدواناً علي حق المشاهد. فقد وجدت شخصياً في الإعلانات ــ رغم اقتصارها علي المشاهد المأساوية التي تطلب المساعدة. أو التفاهات الضاحكة التي تستحثك علي الشراء ــ وجدت في ذلك سبباً يساعد علي التقليل من نسب الضغط والسكر.. والغيظ!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف