محمد العزاوى
الدراما .. والملايين المفقودة
الفن بكل انواعه يهدف دائما الي رقي الامم وتقدمها والسعي الي بناء اجيال تتفهم قيم الحضارة والتقدم علي أسس علمية تستهدف بناء ذوق سليم يستطيع التعامل مع مقتضيات عصر السموات المفتوحة والفضائيات التي لاتتوقف عن بث منتجاتها الي كل الامم والدول.
قبل بداية شهر رمضان كل عام ينطلق السباق المحموم بين المنتجين والمؤلفين لتحضير مسلسلات واعمال درامية لهذا الشهر الكريم ويتم رصد ميزانيات ضخمة لابطال هذه الاعمال.. وتكشف الصحف والمواقع الالكترونية اسرار الاجور الباهظة والخيالية التي يحصل عليها النجوم في مجتمع يعاني من غلاء الاسعار والبطالة وضعف في البنية التحتية والعديد من المشاكل الاخري.. هذه الميزانية الضخمة التي تم صرفها علي المسلسلات والاعمال الدرامية التي تتحدث عن الادمان والبلطجة والتهريب اذا تم تخصيصها لمشاريع قومية ستساهم في بناء مستقبل افضل للوطن.
لكنها لم تستطع النهوض بهذه المهمة وفي نفس الوقت رأينا اعمالا هابطة تقدم نماذج سيئة وصورا تعتمد علي الاثارة تؤدي لانهيار قيم المجتمع وتشجع علي الانحراف.
لست ضد الدراما او الفن الهادف ولكن معظم مسلسلات هذا الموسم الرمضاني لم تأت بفكرة جديدة او حلول حقيقية لمشاكل نعاني منها جميعا من ذلك علي سبيل المثال العشوائيات والمجتمعات الفقيرة.
المثير انك عندما تتابع المسلسلات او برامج المقالب التي تكلفت الملايين تقطعها فواصل عديدة تحتوي علي إعلانات خيرية تطالب المشاهدين بالتبرع للفقراء والمرضي وسكان العشوائيات.. فعندما تشاهد مثل هذه الاعلانات يتبادر الي ذهنك سؤال مهم: اذا تبرع بطل احد المسلسلات بأجره لصالح العشوائيات فكم منطقة نستطيع تطويرها؟
نعم نستطيع تغيير الواقع واعادة الامل لالاف المصريين اذا استطعنا ان نقدم عملا يبني ولا يهدم يساعد علي الرقي والتقدم دون المساس بما بناه الآباء والاجداد من قيم تؤكد علي الروابط بين المجتمع وتماسك نسيجه القوي وللاسف رأينا مشاهد العري والدعارة والاعتماد علي الحركات المثيرة التي تهدف الي جمع الاموال سواء لمنتجي هذه الاعمال او للابطال القائمين بهذه الاعمال الدرامية.
التساؤل الذي يفرض نفسه اين الدولة من هذه الاعمال؟ واين الرقابة الفنية التي تركت لهؤلاء الحبل علي الغارب يقدمون الغث ولا سبيل الا نشر الفوضي والاثارة.. ثم اين شهداؤنا الذين قدموا ارواحهم فداء لهذا الوطن؟ واين القاء الضوء علي البطولات الخارقة التي قاموا بها؟ لكن للاسف لم تمتد يد الرقابة الي هذه الاعمال وتطبيق القيم الفنية الرفيعة علي أدائها.. ثم اين الدولة من انتاج الدراما التي ساعدتنا في القديم علي التقدم ونشر الفضائل وتقديم نماذج من الرجال العظام الذين خدموا المجتمع.. لقد اختفت من هذه المسلسلات المآسي التي يعيشها اهالي هؤلاء الشهداء والمشاكل التي يعانون منها نتيجة استشهاد ابنائها من أجل مصر.
دعونا نستوعب الدرس والنتائج المؤلمة التي اشار لها النقاد والكتاب كل برأيه وفكره لتطوير هذا الاداء.. نتطلع الي اعمال اخري في مواسم قادمة تتضمن قواعد الفن الجميل وتتسلل الي نفوس الشباب باعتباره نصف الحاضر وكل المستقبل وتنمي ايضا المستوي الرفيع وتبني أجيالا قادرة علي الاخذ بيد مصر نحو مجتمع متقدم قادر علي المنافسة في اسواق العمل والانتاج.. ليتنا نستوعب النتائج التي تكشفت عقب عرض هذه المسلسلات وإن غدا لناظره قريب.