قالوا لي: علمنا أن عمل الوكيل البرلماني للوزارة هو الرد علي الأسئلة والاستجوابات تحت قبة البرلمان ويكون همزة الوصل بين الوزارة والبرلمان لكي يتفرغ الوزير للمشروعات الكبري تفكيراً وعملاً ومتابعة.. ولكن ما عمل "الوكيل الدائم" الذي ذكرته في نهاية العمود الأخير؟
الوكيل الدائم عمله أخطر وأبقي وأعظم من عمل الوكيل البرلماني.. فالوكيل الدائم يتابع كل الأعمال "الروتينية" التي تشغل الوزير مثل الترقيات والتنقلات والبريد الذي لا ينقطع.. بعض الوزراء إذا لم يكن كلهم كمية البريد في أسبوع تملأ أكثر من شنطة سامسونايت!! كيف سيقرأ الوزير ومتي وأين ثم يأخذ نوتة سريعة عن كل خطاب أو منظم الخطابات!!
والوكيل الدائم قبل ثورة يوليو كان لا يحال إلي المعاش عند أي سن.. كان "دائماً" مثل اسمه.. الوكيل هو الذي يطلب التوقف عن العمل لعدم استطاعته مثلاً للسن أو الصحة أو اختلافه مع الوزير الجديد مثلاً أو أي سبب.. وايضا من حق الوزير أن يطلب إعفاءه عن طريق رئيس الوزراء.. علي الوزير أن يرسل خطاباً لرئيس الوزراء يطلب إعفاء الوكيل وإحالته إلي المعاش مثلاً ويبت في الطلب رئيس الوزراء بالقبول أو الرفض .
كان الوكيل الدائم زمان أهم من الوزير.. يعلم ما في الوزارة أكثر من أي وزير.. كان أشهر وكيل وزارة زمان المرحوم عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية الذي قيل إنه كانت سنه سبعين عاماً "70 عاماً" عندما جاءت ثورة عام ..1952 وكان مستعداً للعمل عشر سنوات أخري.
كان عبدالرحمن عمار يتفق مع أكثر من ضابط صغير في كل مكان ليكتب له تقريراً عن العمل سراً ويتصل به فوراً إذا حدث ما يستحق!! لذا كان الضباط يفاجأون بعقوبة ما أو لفت نظر مسبب باليوم والساعة.. كانت وزارة الداخلية أيام عبدالرحمن عمار وزارة مثالية في عملها.. لا يمكن أن تجد ضابطاً منوطاً به مثلاً حركة المرور في مكان ما ولا يوجد في هذا المكان طوال مدة خدمته.. لا يمكن كان يحدث ذلك في هذه الآونة.. لذا كان الوكيل الدائم خير من يجري حركة الترقيات والتنقلات والمكافآت والجزاءات.
وكان الوكيل الدائم هو الذي يرد علي الخطابات بدلاً من الوزير وكان يستقبل معظم الضيوف ما لم يكن الضيف من كبار القوم أو من الوزراء فهؤلاء فقط هم الذين يقابلون الوزير.
ولكن في نفس الوقت الوكيل الدائم قد تكون مهمته أشق من الوكيل البرلماني إذا كان الوزير ضيق الأفق ويحب السلطة والجاه ويري أن الوكيل الدائم يسحب منه بعض هذه السلطة والجاه!! فيبدأ الصراع وهنا يكون تدخل رئيس الوزراء!!
ولكن هل يمكن إعادة هذا النظام بعد أن ألغته الثورة.. لا أعتقد!!.. مازال الروتين القديم مسيطراً علي الدولة رغم وجود "جمهورية ثالثة" يجب أن يكون لها نظام حديث جديد تماماً.. أعتقد أن الزمن كفيل بذلك مستقبلاً بإذن الله تعالي.