الجمهورية
أحمد بهاء الدين شعبان
وقت للحساب!
حينما أطلق "الاتحاد السوفيتي" السابق. كبسولة فضائية. تحمل كائناً حياً إلي الفضاء الخارجي. "الكلبة لايكا". عام 1957. قامت الدنيا ولم تقعد. في أروقة الغرب. وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية. دولة وشعباً. واهتزت أركانها. في محاولة للإجابة علي السؤال: لماذا سبقنا الروس. وأين مكمن الخلل. وانتفضت الأوساط العلمية والسياسية بحثاً عن السر في تفوق الأعداء الأيديولوجيين. وأمر "جون كينيدي" بإجراء تحقيقات موسعة. انتهت إلي أن السبب الرئيسي هو نظام التعليم. الذي تفوق فيه الاتحاد السوفيتي "الاشتراكي". والذي منحهم هذه الأولوية في سباق التقدم والسيطرة علي قوانين الطبيعة. وأحرج الغرب "الرأسمالي". الذي كانت دعايته قائمة علي تفوق نظامه الاقتصادي والسياسي والثقافي علي الشرق.
ومن هنا كان تصميم "كيندي" وإدارته. علي ضرورة العمل بقوة. من أجل سد الفجوة التعليمية والعلمية بينهم وبين الخصم السوفيتي. والرد بقوة علي هذا الوضع المهين. وانتهي الأمر إلي إطلاق الولايات المتحدة مركبة فضائية مأهولة. بعد بضع سنوات. حاملة أول رائد فضاء بشري يخطو خطوات علي سطح القمر!
وفي لقاء مع سفير دولة فيتنام الصديقة. التي دمرها الاحتلال والعدوان الفرنسي ثم الأمريكي عليها. طوال عشرات السنين. والتي اعتدنا علي صور فلاحيها ومواطنيها البسطاء. وهم يتحركون بمشقة. وسط ركام الهدم والدمار الذي خلفه القصف الأمريكي الهائل. بكل أشكال المتفجرات والقذائف علي عاصمتهم "هانوي". وطال شتي مقاطعات بلدهم. فاجأني بأن هذه الدولة الزراعية المكافحة. أصبحت اليوم مركزاً مهماً للصناعات التكنولوجية الحديثة والمتطورة "Technology High). بل إنها أصبحت أحد أهم مراكز تصنيع أكثر المنتجات الإلكترونية تطوراً وتقنية في العالم. مشيراً إلي شاشة تليفزيون متقدمة. كانت خلفي. تحمل اسم شركة كورية جنوبية عالمية. وهو يقول هذه صنعت في فيتنام. وبالفعل حينما نظرت إلي خلفية الشاشة. وجدت ما يؤكد هذا الأمر. ولما تساءلت عن السر في تحول هذه الدولة الزراعية إلي مصاف الدول المنتجة للصناعات المتقدمة. أجاب: التعليم.
وإذا كان سر تقدم فيتنام هو نظام التعليم الكفؤ والحديث. فإن هذا السر هو ايضا الذي يكمن خلف تقدم الصين. وسنغافورة. ومن قبلهما الاتحاد السوفيتي "روسيا". وألمانيا. واليابان. وكل دولة سعت لنفض ثوب التخلف والتردي. واستبداله بثوب المدنية والتقدم!
هكذا تقبل الأمم الحية التحديات. وترد عليها. ليس بالشعارات والأغاني. وإنما بالفعل والعمل. أما أثار هذه الشجون. فهو النتيجة الفاضحة التي أسفرت عنها امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية. والتي بلغت نسبة النجاح فيها 1.28%. وتعد النسبة الأقل في تاريخ الأزهر العتيق!
وفي تفسير "رئيس قطاع المعاهد الأزهرية". "د. محمد الأمير". لمسببات هذه النتيجة. التي وصفتها بعض الجرائد ب "الكارثية". أرجع الأمر إلي "منع الغش" في امتحانات هذا العام!!. وهو سبب لا يقل كارثية عن النتيجة. بل إنه أفدح وأكثر إيلاماً. فالمفترض أن هذه "المعاهد الأزهرية". تعلم طلابها الدين والعقيدة والفضيلة ومكارم الأخلاق. وتعلمهم أن "من غشنا فليس منا". فماذا إذا كان أكثر من 70 بالمائة من هؤلاء لم ينجحوا إلا بالغش. وحينما أغلقت منافذه. بعض الشيء. انكشفوا علي هذه الصورة المشينة؟!
والحق أن هذا الأمر. بالذات. لا يجب أن يمر مرور الكرام. كما اعتدنا في كل كوارثنا. لسبب آخر بالغ الخطورة. وهو أن هذه العينة من الطلاب. بل وجانب مهم من أعضاء هيئة التدريس الذين يلقنونهم "العلم". لا يصلحون بالمرة. للمهمة السامية التي انتدبوا لها. وهي مهمة "طلب العلم". ومهمة التعليم ذاتها.
وإذا أردتم دليلاً علي ذلك. راجعوا - من فضلكم - سجل جامعة الأزهر. ومعاهدها. طوال الأعوام الماضية. وبالذات علي مدار العامين الماضيين. منذ استعراضات "ميليشيات الأزهر". وحتي ما بعد إسقاط حكم الإرهاب الإخواني. وهو لن يخرج عن أن يكون مسلسل من التخريب والتدمير والحرق والتفجير. الذي لم ينقطع. وهو أمر شاركت فيه بابتذال وإسفاف غير مسبوقين. "حرائر" جماعة "الإخوان" الإرهابية. من بنات الأزهر. تلك الجامعة العريقة. التي استولي علي معظمها فكر التطرف والتكفير. وحولتها أموال الجماعات الوهابية والإرهابية. إلي بؤرة سرطانية للقتل والفتنة.
إنها مناسبة للحساب. حساب النفس قبل حساب الغير.
وفرصة لتغيير هذا الوضع البائس الفاسد. العصي علي الترميم. أو الترقيع. من الجذور. لا تضيعوها ب "إصلاحات" شكلية كالمعتاد. تعالج المظهر. وتترك الجوهر علي حاله. فالخلايا السرطانية لا تعالج بقرص إسبرين. وإنما ببترها من الأعماق. حتي لا تعاود سيرتها الخطرة في التوالد والانقسام. فنصحوا بعد حين علي وقوع "كارثة" أفدح. جديدة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف