الحكومات في أي دولة من دول العالم المتقدم تعمل في إطار منظومة متكاملة ووفق خطط مدروسة تؤتي ثمارها لسنوات عديدة لصالح الوطن والمواطنين.. ومن هنا يتعجب المرء من تضارب قرارات حكومتنا الرشيدة.. نشعر وكأن كل وزارة بوزيرها والعاملين بها يعملون في جزر منعزلة.. فوزير الزراعة فاجأنا بقرار منع استيراد القطن دون العودة لرئيس الوزراء أو الوزارات المختصة المشاركة في القرار.
وكأنهم- ولا مؤاخذة- يديرون عزبة وليست دولة في حجم مصر التي يقف لها العالم الآن إجلالاً وتقديراً لحكمة وقوة وإرادة وزعامة رئيسها وجهود قواتها المسلحة الباسلة في الحفاظ علي كل حبة تراب في الوطن.
وزير الزراعة برر قراره بأهمية الحفاظ علي القطن المصري ومصلحة الفلاح الذي يعاني الأمرين في تسويق المحصول وباعه بأبخس الأثمان العام الماضي ومازال حوالي أكثر من مليون قنطار قطن بخلاف محصول العام الجديد مكدسة في الشون وتكاد تتعرض للهلاك لتركها في العراء من الشمس الحارقة ثم أمطار الشتاء الغزيرة ناهيك عن الحشرات والقوارض.
الفلاحون هللوا فرحاً بقرار الوزير الذي أيده 40 من صفوة علماء وخبراء الزراعة وأساتذة الجامعة.. وسرعان ما تبددت فرحتهم من الهجوم الشرس لأصحاب المصانع ورجال الأعمال وفي مقدمتهم أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية علي قرار وزير الزراعة واتهموه بتدمير صناعة الغزل والنسيج وانهيار مصانع القطاع الخاص وتشريد العمال.. وزادوا بأنه يضر بعلاقات مصر ببعض الدول التي سوف تعاملنا بالمثل وتوقف تصدير بعض السلع إلينا.
شعرت أمام تمسك الوزير بقراره والمؤيدون له.. والرافضون للقرار أننا في حرب يريد كل طرف الانتصار فيها وأن كلمته هي العليا.. الوزير ورجاله لم يكفوا عن تبرير القرار.. والوكيل ورجاله رأوا فيه هلاكهم ولابد من إلغائه.. وبعد شد وجذب علي صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات.. انتصر كالعادة رجال الأعمال وتحقق لهم ما أرادوا.. وليذهب الفلاح ومصانع الغزل التي شيدها الرئيس عبدالناصر في الستينيات من القرن الماضي إلي الجحيم ..وقد كانت ومازالت تعتمد علي القطن طويل التيلة وأصبحت صناعة الغزل والنسيج المصري حديث العالم لجودتها الفائقة حتي تم القضاء علي هذه المصانع بفعل فاعل لصالح فئة معينة خلال عهد الرئيس الأسبق مبارك.
ما حدث يؤكد أن التنسيق مفقود بين مختلف الوزارات وأنه آن الأوان لإحداث تغيير في وزراء حكومتنا الرشيدة.. البلد تحتاج لوزراء مقاتلين وعلي مستوي المسئولية والمرحلة التي تمر بها.
مجدي الشراكي رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعي دخل علي خط الأزمة دفاعاً عن الفلاحين وحفاظاً علي محصول القطن.. مؤكداً أن قرار رئيس الوزراء مجحف ويقضي علي الفلاح.. وهدد برفع دعوة قضائية ضد المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء بالاتفاق مع 17 اتحاداً وكياناً نقابياً يمثل الفلاحين والمزارعين والمنتجين للمطالبة بتنفيذ المادة 29 من الدستور والتي تؤكد التزام الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح مشيراً إلي أن سعر طن القطن بالأسواق بلغ 1700 جنيه بعد وقف قرار الاستيراد وبعد قرار فتح الاستيراد انخفض السعر إلي 500 جنيه.
عموماً.. مشكلة القطن المصري تحتاج إلي آراء توافقية مدروسة تحقق مصلحة الفلاح وأصحاب مصانع القطاع الخاص دون الانتصار لطرف علي حساب آخر.. وإلا فالبقاء لله في القطن المصري!!