المساء
مؤمن الهباء
صرخات وطنية للإنقاذ
لن ينصلح حال مصر اقتصاديا إلا إذا جرت عملية احياء منظمة وشاملة لكل وحدات الإنتاج التي تم إغلاقها أو تعطيلها أو تخريبها خلال مهرجان بيع مصر في عهد مبارك.. بمعني ان خروج مصر من الأزمة الاقتصادية الخانقة لن يتحقق إلا برؤية جديدة وقناعة جديدة تقوم علي إعادة تشغيل آلاف المصانع المغلقة وتحديث أدوات الإنتاج في شركات القطاع العام والخاص حتي تعمل بكامل طاقتها وبالتالي يعاد تحويل الشعب العاطل - أو المعطل - الذي أدمن جلسات الشيشة علي المقاهي والكباري إلي شعب عامل منتج.
لا حل أمامنا إلا تغيير ثقافة اقتصاد المعونات والمساعدات والاستثمارات الطفيلية الاستهلاكية إلي ثقافة الاعتماد علي النفس والموارد الوطنية وتعظيمها وبث روح الأمل والعمل في هذا الشعب كي يتحول إلي طاقة عمل منتجة ورابحة بعد ان ظل لسنوات طويلة مجرد مستهلك يعتمد علي ما سيأتيه من معونات أو من أرباح السمسرة والمضاربة.
لو حدث هذا التحول الكبير.. واعتبرناه مشروعنا القومي خلال السنوات القليلة القادمة لتغيير وجه الحياة في مصر.. ذلك لأن العمل والإنتاج لا يوفران احتياجات الشعوب فقط وإنما يوفران للناس عنصر الثقة بالنفس وبالقدرة علي التحدي والبناء وصياغة المستقبل علي أسس سليمة ومتينة.
في تأكيد هذا المعني كتب الدكتور نصر محمد عارف مقالا في أهرام الاثنين الماضي يقارن فيه بين مصر وإيران بعد 35 عاما من توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 الذي بدأت بعده مصر رحلتها مع المعونات الأمريكية والغربية.. وهي نفس السنة التي قامت فيها الثورة الإيرانية وخضعت بعدها إيران لنظام العقوبات الذي أقرته الدول الغربية بزعامة أمريكا واليوم بعد 25 عاما علي المعونات الغربية والأمريكية لمصر والعقوبات الدولية علي إيران.. أين هي مصر وأين هي إيران؟!
ثم يجيب علي سؤاله هكذا: مصر نجحت في تطبيق منظومة الخبز واجتياز شهر رمضان دون انقطاع الكهرباء وحل أزمة تذاكر قطارات الصعيد أيام الأعياد.. لكنها تراجعت بفضل عقلية المعونات الأجنبية إلي مراحل لم تشهدها منذ مجاعات المماليك.. أما إيران فبفضل عقلية العقوبات اشتعل فيها التحدي واستطاعت بناء قاعدة صناعية قوية وتحقيق التصنيع العسكري الذي يحفظ أمنها القومي حتي صارت دولة نووية.
بالطبع ليس مقصودا بهذه المقارنة التقليل من شأن بلادنا أو بث اليأس في النفوس وإنما المقصود إضاءة الطريق الصحيح الذي يجب أن نسير فيه دون تخبط لإنقاذ أنفسنا مما وصلنا إليه ولكي نحافظ علي وجودنا ومكانتنا.
المطلوب الآن وعلي وجه السرعة حركة قومية شاملة لإعادة الاعتبار إلي قيمة العمل والإنتاج والبناء والاعتماد علي الذات واحياء دور الطاع العام واستعادة الوحدات والشركات والمصانع التي تم تخريبها أو تعطيلها باسم الخصخصة وحل مشكلات شركات الغزل والنسيج والحديد والصلب التي توقفت عن الإنتاج أو كادت.
في أواخر يونيه الماضي اصدرت دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حكما ألزمت فيه الحكومة بتنفيذ الأحكام الصادرة ببطلان عقد بيع شركة طنطا للكتان للمستثمر الأجنبي وعودة جميع العاملين بالشركة بأوضاعهم السابقة قبل خصخصة الشركة ومن بينهم العمال الذين خرجوا إلي المعاش المبكر وتغريم الحكومة 800 جنيه كما اصدرت المحكمة حكما ببطلان خصخصة شركة النيل لحليج الأقطان وتأييد الحكم الصادر من قبل في هذا الشأن.
وفي 9 يوليو الحالي نشرت الصحف استغاثة من شركة الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية تستنجد فيها بوزارات الاستثمار والزراعة والبترول لانقاذها من شبح الافلاس واعفائها من مديونياتها لديهم فضلا عن وضع خطة لانقاذها من الخسائر بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار.
هذه كلها صرخات وطنية صادقة تدلنا علي الطريق الصحيح.. وترشدنا إلي ضرورة التغيير.. تغيير العقلية والثقافة والتوجه لإنقاذ وطننا وشعبنا قبل فوات الأوان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف