أشعر بدهشة بالغة من المطبخ الاقتصادي في مجلس الوزراء الآن.
تصريحات من كل اتجاه من الوزراء بلا تنسيق ولا تضامن وزاري يحقق لها النجاح وفي الوقت الذي تواجه مصر فيه ضربات إرهابية من السفلة المجرمين نحتاج إلي المحافظة علي الجبهة الداخلية متماسكة وقوية لأنها الضمان ضد كل المؤامرات الخارجية والداخلية.
ولا أفهم حتي الآن ما يقوم به البنك المركزي المصري من خفض متعمد وتعويم حقيقي للجنيه المصري في هرولة غير محسوبة ودون أن يدرس أو يهتم بالآثار السلبية لهذا التوجه والنتائج الكارثية الأخري وكأنها مغامرة يقوم بها بعض الهواة في تسلق الجبل ثم فجأة يسقطون تحت سفح الجبل وفي حالة أقرب إلي الموت من الحياة والبنك المركزي هو مستشار الحكومة ولا يمكن أن يقوم المستشار بأي قرارات أو توجهات خطيرة دون موافقة من صاحب المسئولية والقرار.
ويخرج علينا وزير المالية من خلال تصريحات صحفية أنه سيتم رفع أسعار المنتجات البترولية مرة أخري في يوليو القادم.
وهو تصريح خالفه التوفيق وغير مقبول وغير منطقي ويعبر عن ضيق أفق من الفقراء في هذا البلد وهم الأغلبية العظمي.
فالبترول تراجعت أسعاره عالمياً إلي أقل من نصف سعر البرميل وأصبح يلامس 40 دولاراً أو أقل.
ثم يخرج وزير المالية ويقول إنه سيتم رفع أسعار المنتجات البترولية وكأنه يستهتر بعقول الناس ويشعل غضبهم دون أن يدري.
ويبدو أن بعض هؤلاء يطلقون تصريحاتهم وهم علي متن الطائرات أو في العواصم الأجنبية ومعلوماتهم عن الشأن المصري محدودة.
ووزير الاستثمار يتحدث عن ارتباك في قانون الاستثمار قبل مؤتمر شرم الشيخ واعتراضات وزارات أخري علي بعض مواده.
ولكن وزير الاستثمار يبشر المستثمرين العرب والأجانب. وربما المصريين أن الوزارة المختصة بالاستثمار ستقدم هدية للمستثمرين وهي الشباك الواحد.
وربما لا يعلم وزير الاستثمار أن الشباك الواحد طرح في مصر منذ عام 1974 ومنذ بداية تطبيق قانون الاستثمار.
وفي كل وزارة تأتي يتعهد رئيس الوزراء منذ هذا الوقت بإنشاء الشباك الواحد.
وهل يعلم الوزير أن الشباك الواحد هو وعد تلقاه المستثمرون منذ سنوات طويلة وأنه لن يضيف شيئاً لهم.
وهو مجرد شعار حتي لو تم تطليقه فليس له جدوي.
المنازعات مع المستثمرين تحتاج إلي لجان تحكيم وتنسيق مع كل أجهزة الدولة لحلها.
والمستثمر يثق فيما يطبق علي أرض الواقع. ولا يهتم بالتصريحات والوعود.
أما تصريحات المسئولين والوزراء حول الدعم وإلغائه تبدو وكأنها محاولات لإشعال غضب الناس.
والدعم عبء علي الموازنة العامة للدولة لكنه لا يمكن شطبه بجرة قلم.
وفي التاريخ القريب دروس وعبر.
وعندما ألغي الرئيس السادات دعم بعض السلع الرئيسية عام 1977 ومنها البوتاجاز والزيوت والرغيف الفينو وبعض المنتجات الأخري والسجائر اشتعلت المظاهرات في مظاهرات عرفت أنها مظاهرات الطعام وإن كان الرئيس السادات يقول عنها انتفاضة الحرامية ورغم أنها كانت ثورة للجياع. وتراجع السادات عن هذه القرارات بعد أقل من 48 ساعة وكررت الإذاعة قرار الإلغاء كل خمس دقائق.
وعندما زار الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الرئيس السادات في هذا الوقت العصيب. نصحه كيسنجر "سيادة الرئيس ابتعد عن رغيف الخبز والوقود والسلع الغذائية حتي لا تكسب عداء المصريين".
وأشعر بدهشة من المنافسة المحمومة علي التبشير برفع الأسعار والصمت علي إجراءات تضيف صعوبات علي حياة المصريين.
ويحدث هنا في وقت تخوض الدولة المصرية والشعب معركة مع الإرهاب الأسود والظهير الشعبي في هذه المعركة هو العنصر الحاسم.
ولهذا يجب علي وزراء حكومة المهندس محلب التحلي بالصمت وعدم التنافس علي رفع الأسعار.
وليس برفع الأسعار وإلغاء الدعم وحدهما يتحقق الإصلاح.
والقرارات الإصلاحية الاقتصادية إذا لم تراع قدراً كبيراً من العدالة الاجتماعية فلن يتحقق لها الاستمرار ولا النجاح وستكون العواقب وخيمة.
ولهذا قليل من التصريحات يكفي.
وقليل من الكلام علي الدعم.
ويجب أن ينشغل الوزراء بقضايا الإصلاح والتطوير ومواجهة الفساد وهي لا تمر كلها من خلال الدعم.