خيرية البشلاوى
التفاصيل الصغيرة تُسقط أوراق التوت
"أوراق التوت" هو المسلسل الوحيد "الديني" وسط زحمة المسلسلات التي عرضت في رمضان "2015" انه انتاج سعودي وإن كانت عناصره الفنية بالكامل صناعة مصرية بدءاً من المخرج "هاني اسماعيل" وكاتب السيناريو والحوار "أيمن سلامة" ومروراً بالممثلين: صابرين وكمال أبو رية ويوسف شعبان وأحمد ماهر وسميحة أيوب وآخرين.
المسلسل فانتازيا من صنع الخيال بلا مكان أو زمن محددين وإن كانت الأحداث تشير إلي فترة ما بعد ظهور الإسلام وقبل انتشاره في ربوع المعمورة.. وأماكنها تقع بين امبراطوريتين متصارعتين وثنيتين لم يدخلا الإسلام بعد.
البطل الرئيسي طبيب اسمه أبو أحمد يؤدي دوره كمال أبو رية يلعب شخصية طبيب مسلم عالم في علوم الطب والفلسفة ويجسد بسلوكه الإسلام السمح المتحرر من التعصب والتطرف ومن ثم يجد قبولاً بين رعايا امبراطورية "درامهان" التي تحكمها الامبراطورة "ليلانتا" "صابرين" المرأة القوية التي تتصدي للامبراطور الآخر المنافس "يوسف شعبان".
وبالتدريج يتسلل أبو أحمد بحنكته وحكمة أدائه إلي قلب وعقل الامبراطورة التي تدرك بحدسها جوهر ما يمثله هذا الطبيب العربي المسلم الذي ألقت به العاصفة علي شواطئ امبراطوريتها حيث أغرقت سفينته ونجا هو وأسرته ثم وجد من يساعده ويوفر له المكان والطعام إلي أن تمضي الأحداث ويتعرف علي الامبراطورة وتجد فيه الصدق والاخلاص ومن ثم تلتفت إلي دينه وما يمثله الإسلام.
المسلسل من الانتاج الضخم.. وعمل يكشف عن جهد كبير في مجال الانتاج وفي عنصر الاخراج "هاني اسماعيل" الذي وفر البيئة المناسبة للايحاء بأجواء الأبهة والثراء في قصر الامبراطورة وكذلك عناصر الديكور والملابس واختيار الأماكن الخارجية وسط الطبيعة الخام حيث البحار والجبال والأرض المفتوحة علي آفاق ممتدة.
ويدل عنصر التشخيص واختيار طاقم الممثلين علي أن المخرج يتكئ علي الميراث الخاص بالمسلسل الديني المصري التقليدي حيث تصل الرسالة الدينية للمتفرج بأسلوب صريح ومباشر إلي المتلقي. وهنا يتحتم إبراز جوهر الإسلام السُني كدين ينبذ التعصب ويجافي العنف وليس له صلة بالإرهاب الذي يمارس اليوم علي أرض الواقع باسم الدين.
الأداء التمثيلي في مجمله مسرحي الطابع ومباشر وإن اتسم بنبرة هادئة وبالذات في أداء كمال أبو رية حيث الهدوء والحكمة والعمق من سمات الشخصية التي يجسدها.
ما لفت نظري ذلك "الضجيج" الصامت إن صح التعبير في مظاهرة الألوان التي كست أزياء ومظهر النساء وبالذات البطلة "ليلانتا" الامبراطورة "صابرين" التي حرصت علي استخدام العدسات الملونة والباروكة المرسلة الكستنائي والتي قالت في احد اللقاءات معها إنها بديل للحجاب لأن شعرها الحقيقي لا يظهر!! والحقيقة أنني لا أعرف من أين أتت بهذه "الفتوي" التي تقيس الدين بالمظهر الخارجي وليس بجوهر السلوك فهل الشعر المستعار الذي يضاف لإبراز الأنوثة والجمال يعني أنها لم تخلع الحجاب حتي وإن لم يظهر شعرها الحقيقي.
هناك بالتأكيد تفاصيل كثيرة لم تخضع لمقتضيات العمل التاريخي حتي لو كان من نوع "الفانتازيا" وهناك بالتأكيد رغبة ليست في صالح التأثير الكلي للدراما. وأعني التصوير المثالي الملائكي لشخصية الطبيب المسلم باعتباره "ملاك" ورسول العناية الإلهية.. ولو صدقت الاحصائيات التي ترصد نسبة المشاهدة سنجد أن "أوراق التوت" الديني هو الوحيد ربما الذي لم يحظ بنسبة مشاهدة عالية.
هناك سؤال حول من يحكم داحل امبراطورية الدراما التليفزيونية.. هل هو الممثل النجم الذي يفرض إرادته حتي لو كانت في غير مصلحة العمل؟؟ أم المخرج الذي يفترض أنه المايسترو؟ هل يعجز هذا الأخير عن فرض إرادته علي "النجم" وهل يمكن أن يهدد النجم المخرج بامتناعه عن العمل إذا لم ينفذ ما يريد؟ هناك اختلال واضح وعدم استواء لمنظومة المبادئ التي تحكم هذه "الامبراطورية" التي يسيطر عليها رأس المال "الفلوس" والنجم "الذي يُباع العمل باسمه" ويحصل من ثم علي نصيب الأسد من الميزانية ثم يُظلم فيها الباقون ظلماً بيناً.
يحضرني هنا الممثلة نيللي كريم في مسلسل "تحت السيطرة" الذي اشاهده مباشرة بعد الفرجة علي "أوراق التوت" وأجد نفسي مضطرة لعقد مقارنة بين ممثلة مهمومة جداً "بصورتها" الشخصية كإمرأة وليس كفنانة وأخري تخضع بإحساس فني ذكي وأمين للحالة النفسية والعملية لطبيعة الدور والظروف المحيطة بالشخصية ولطبيعة العمل نفسه وفارق كبير بين الممثل "الموظف" والفنان المبدع.
وما ينطبق علي "صابرين" في "أوراق التوت" ينطبق علي باقي الممثلات في نفس العمل ثمة تناقض صارخ بين "الشكل" وبين "المضمون" في كل حالة. مما يعني "قصوراً أو بالأحري تقصيراً في حق الضرورات الدرامية في عنصر الأداء التمثيلي والذي ينتج عنه تلقائياً غياب لعنصر المصداقية ويفتح الباب لشيء كريه اسمه "الفبركة".
** ففي التفاصيل الصغيرة الدقيقة تكمن أشياء كبيرة مُوحية وهامة.. والممثل الكبير لا يعنيه أن يبدو جميلاً وسيماً أو هذا بالقدر ما يعنيه ويحرص عليه أن يصل إلي قلب المتفرج وعقله ويؤثر فيه.