بوابة الشروق
عماد الدين حسين
الحكومة هى القاتل الأصلى لضحايا المركب
التعليق الوحيد الذى يمكن أن يقوله أى شخص عاقل بعد أن يقرأ عن كارثة غرق مركب الوراق مساء الأربعاء الماضى هو «مفيش فايدة».

لدينا عشرات القتلى والمصابين والمفقودين، وأغلب الظن أن الكارثة سوف يتم نسيانها بعد يوم أو أسبوع أو شهر، حتى تقع كارثة أخرى، وهكذا.

فى الكوارث السابقة قلنا نفس الكلام تقريبا الذى نقوله اليوم، وانتقدنا نفس الانتقادات، وطالبنا بنفس المطالب، فما الذى سيجعل كلامنا هذه المرة مختلفا؟.

لكن وبما أننا لا ينبغى أن نيأس، علينا نسأل سؤالا بسيطا وبديهيا، لكنه مربك ومحير ومزعج ومحبط وهو: إذا كان المركب غير مرخص وغير مسموح له بالعمل ليلا، فمن الذى سمح بذلك ومن الذى ينبغى ان يتحمل المسؤلية؟.

فى كل الكوارث المشابهة نكرر أنفسنا من دون أن تحرك خطوة واحدة للأمام فمتى نتوقف عن هذا العبث؟.

عندما تنهار عمارة على رأس ساكنيها ويموت العشرات، نكتشف أن العمارة أقيمت على أساس غير سليم، أو صدر لها قرار إزالة أو تنكيس أو ترميم، ولم يتحرك أحد حتى وقعت الواقعة!.

عندما تقع حادثة قطار كبيرة ويموت العشرات، وأحيانا المئات والآلاف، نكتشف أن عامل المزلقان كان نائما، أو أن المزلقان لم يكن يعمل، أو تعطل، أو أن عامل الإشارة لم يقم بعمله، أو أن السائق لم يكن مركزا!.

وفى حوادث الطرق السريعة التى تلتهم عشرات المواطنين يوميا نقرأ ونسمع دائما عن أن بعض سائقى الميكروباص والنقل كانوا «مبرشمين» ويتعاطون معظم انواع المخدرات بصفة دائمة، ولم نسمع حتى الآن عن سحب رخص هؤلاء، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

صاحب عبّارة قتل ألف مواطن فى لحظة واحدة وقدمهم وجبة شهية لحيتان البحر الاحمر قبل سنوات.. ولايزال حرا طليقا بعد أن هربه نظام مبارك.. فما الذى يمنع آخرين من تكرار نفس الكارثة؟.

مصر صارت تحتل مركزا عالميا فى حوادث الطرق والمواصلات، والسبب الجوهرى هو غياب الرقابة وتفشى الرشوة وانعدام الضمير.

باختصار المسئولية الاساسية أولا واخيرا، تتحملها الحكومة بكل أجهزتها. لو أن هناك جدية وتفتيشا حقيقيا على مراكز الموت لتم وقفها عن العمل حتى يتم التأكد من التزامها بكل المواصفات والحمولة القانونية وتوافر كل وسائل الأمان. ومن العجب ان يخرج علينا بعض المسؤليين فى النقل النهرى بأن الإهمال تعملق وتجبر الإصلاح صعب.

الأمر لا يتوقف على المراكب.. وحتى «لا تتفاجأ الحكومة كما تفأجات فى معهد القلب»، فهى تعرف أن آلاف الصبية الصغار يقودون التوك توك فى كل شوارع مصر، دون ترخيص قانونى أو يعرضون أنفسهم والآخرين لخطر داهم كل لحظة ولا أحد يتصدى لهم. وأن سائقى الميكروباص يعيثون فى الأرض فسادا وغيرهم كثيرون.. فماذا فعلت؟.

لو أن الحكومة جادة فعلا يمكنها أن تذهب فى أى وقت وتفتش المراكب المرابطة أمام مبنى التليفزيون وميدان التحرير، وتلوث أسماع المكان بأحط أنواع الشتائم والتحرش والمخدرات والأغانى الهابطة، والأهم مراكب تحمل العشرات ولا تدرى الحكومة مدى جاهزيتها وصلاحيتها!!.

لا يمكن أن نلوم إلا الحكومة على هذه الكوارث، هى الشريك الحقيقى والكامل فى هذه الجرائم، وربما هى القاتل الأصلى. والمأساة أن غالبية الضحايا من الفقراء والمساكين، وتنتهى حياتهم بتعويض يبدأ من ألفى جنيه إلى عشرين ألفا!!!.

«مفيش فايدة» ولا أمل فى تغيير حقيقى إلا عندما تدرك الحكومة أنها مسئولة عن أرواح البشر، خصوصا الغلابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف