عبد الرحمن فهمى
ذكريات .. رحم الله ... محمد سيف
لأنه ليس لاعب كرة مغموراً!! لم تذكر الصحف ولا المجلات الرياضية خبر وفاته ولا قصة حياته!! وكأن لعبة التنس كما وصفها بحق المرحوم عادل شريف "لعبة شهيرة"!!
مات محمد سيف في مفاجأة من النوع الثقيل الحزين منذ أسبوع دون أن يدري أحد.. عرفت الخبر من زميل العمر كله الناقد الساخر المشهور ماهر فهمي فهو جاره في المعادي.
كان "كابتن سيف" كما كان الجميع يسمونه كان يعشق لعبة التنس منذ نعومة أظافره ولكن بعد تخرجه في الكلية الحربية انشغل في حروب متتالية مع تمرينات متطورة باستمرار فهو من أفراد الصاعقة نظراً لطوله وقوة بنيانه.. ولما وصل إلي رتبة عقيد وانتهت الحروب بمعركة أكتوبر المجيدة الرائعة قرر التفرغ للتنس.. وأصبحت هوايته الأولي التدريب.. عرض عليه صديقه المشير أبوغزالة ان يدرب في دبي حيث له أصدقاء هناك ويكون نفسه مادياً.. ولكنه آثر ان يعمل في مصر ليدرب الصغار ويحاول ان يخلق منهم أبطالاً.. فأخذه المشير أبوغزالة إلي نادي المعادي بجوار مسكن سيف ليقابلا معاً تحسين شنن رئيس النادي الذي رحب بشدة بالمدرب الجديد.
وكان من بين أطفال المعادي فتاة اسمها "بتروفا" في حدود العشر سنوات أو أزيد قليلاً روسية الجنسية والدها الروسي يعمل في مصر منذ مدة.. لمح سيف استعداد هذه الفتاة للنبوغ فهي "تعشق" اللعبة وهذه أهم ميزة في أي ناشيء.. لاحظ كابتن سيف ان هذه الفتاة الروسية بعد ان ينتهي التمرين اليومي الذي كان علي دفعتين كانت تمرن نفسها مع الحائط! لذا ركز كابتن سيف علي هذه الفتاة.. ثم أخذها إلي لندن مع والديها لتلعب في بطولة ويمبلدون أشهر بطولة عالمية.. وتحدي سيف بهذه الفتاة كل لاعبات العالم ففازت بتروفا ببطولة العالم آنسات تحت 18 عاماً!!
وتجلت الأخلاق الرياضية الحقيقية حينها أعلنت الفتاة ووالداها بأن البطلة روسية نعم ولكن الفضل لوطنها الثاني مصر إقامة وتدريباً. وكتبت أيامها كل صحف ومجلات العالم الرياضية هذا الاعتراف الجميل واشتهر المدرب "العالمي" محمد سيف منذ هذه البطولة.. ولبي دعوة للتدريب في أمريكا.. وكان مثالاً للخلق السوي والعمل الدءوب والسلوك الرياضي الحقيقي.. وكان له ابن اسمه "تحسين شنن سيف"!!
سمي ابنه الكبير باسم تحسين شنن رئيس المعادي الذي وقف بجانبه في بداية عمله.. وأعجبت دوائر التنس بأمريكا بهذا المدرب الشريف الزاهد الذي لم يطمع يوماً فيما ليس له عكس معظم الرياضيين غير الحقيقيين خلقاً وعملاً.. لذا قررت أمريكا بعد تخرج تحسين شنن من دراسته وحصوله علي الشهادة النهائية من الاكاديمية البحرية ان يلتحق بدراسات مكملة في أمريكا مجاناً وإقامة "مجاناً أيضاً".. وسافرت الأسرة كلها إلي أمريكا ليكمل الابن البكر شهاداته من ماجستير ودكتوراه بإذن الله.. ثم ترك سيف الأسرة هناك وعاد إلي مصر التي لا يطيق البعد عنها كثيراً.. وعاش وحده في شقته بالمعادي وكان يصاب من آن لآخر بأزمة صحية طارئة لها دواء موجود عنده باستمرار بشرط ألا يتحرك وقت الأزمة وهذا الدواء كفيل بانهاء الأزمة بعد وقت قليل مع الراحة التامة.. وجاء الأجل وهو وحده في الشقة.. الأزمة تحتاج للدواء قام سيف ليحضر الدواء فسقط بجواره!! ولم يعلم أحد ولاحظ الجيران عدم خروجه يومين ولم يسمع أحد صوته وهو الاجتماعي الطريف الذي يجامل طوب الأرض فابلغوا الشرطة التي فتحت الشقة فوجدته جثة هامدة!!
***
كان المرحوم سيف له آراء سياسية وعسكرية ورياضية.. وكان يرفض ان ينشرها في صحف أو مجلات.. فكان من عادت ان يؤلف "كتيباً" تصغير كتاب يكتب فيه ما يريد بكل صراحة تامة ولا يهمه سوي التعبير عن آرائه بحرية كاملة.. وكان يوزع الكتيبات علي الجميع صحافة وإعلام والنوادي والجيران وكل مكان.. من أواخر كتبه بعد برلمان 2010 بلا معارضة ألف كتيباً يقول فيه: عزيزي الرئيس مبارك أظن كفاية كده!! الكتيب موجود كتبت عنه بعد ثورة 25 يناير 2011!! طبعاً!! رحم الله محمد سيف رحمة واسعة.