الجمهورية
أحمد بهاء الدين شعبان
في السياسة الخارجية للدولة المصرية "1"
للدول العظمي. والكبري. والمحورية. بل وحتي الدول الصغري. سياسة خارجية واضحة المعالم. تعكس صورة النظام السياسي الحاكم. والمصالح الاستراتيجية العليا للدولة. كما يتصورها. والفئات والطبقات الاجتماعية التي يتبني مطالبها. والأهداف والغايات التي يتوخي تحقيقها. والمُثل والقيّم التي يتبناها.. الخ.
وهذه السياسة تلتزم بها أجهزة الدولة قاطبة. والعاملة في مجال العلاقات الدولية بالأساس. وتسعي من أجل تدعيمها بكل الوسائل والسُبل. السلمية إن أمكن. وحتي بوسائل وسبل عنيفة إن تعذر ذلك.
وترسم الدول القوية دوائر لمصالحها الاستراتيجية تحدد التهديدات المحتملة. والتحديات التي يواجهها أمنها القومي ضمن هذه الدوائر. وقد حددت مصر "ثورة يوليو. وعبدالناصر". هذه الدوائر بثلاث: العربية. والافريقية. والإسلامية. فيما حددت الدولة الصهيونية إطار مصالحها الاستراتيجية بدائرة واسعة تغطي جنوب "الاتحاد السوفيتي" السابق. أما الدول الكبري. أو العظمي. مثل الولايات المتحدة. والاتحاد السوفيتي السابق "وروسيا حالياً". وبالضرورة المارد الاقتصادي والسياسي الصاعد. الصين. فدائرة مصالحها العليا. هي دائرة كونية. تحيط بالعالم كله. وتصل الفضاء بالأرض. وتعتبر - مثلما تُعلمنا نظرية "تأثير الفراشة" - ان رفة أجنحة فراشة ضعيفة. في أحد أركان المعمورة. قد يتسبب في أعاصير وزلازل في الأطراف النائية الأخري. وما دام الأمر كذلك. فهذه الدول تعتبر أن أي حدث. مهما صغر وتضاءل حجمه. هو بمثابة شأن داخلي. لأنه. حتماً. سيكون له تأثير مباشر علي المصالح المباشرة لهاتيك الدول. هذه المصالح التي تمتد باتساع الكون كله. بل وتتجاوزه إلي الفضاء المفتوح الذي يقود إلي مكونات المجرة الشاسعة. وما التسابق علي صناعة وتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وبناء المحطات الفضائية المدارية. بتكاليفها الباهظة. والتنافس علي استكشاف الفضاء الكوني. الذي استغرق وسيستغرق عقوداً طويلة بلا نهاية. إلا تعبيراً. في جانب أساسي منه. عن تصارع هذه المصالح الاستراتيجية للدول العظمي. والكبري. كما تحددها دوائر صنع القرار فيها.
والمؤكد ان الدول الراسخة الأقدام. الثابتة الأركان. تمتلك استراتيجيات خارجية واضحة ومحددة. ولا تتغير في ملامحها الجوهرية. تغيرات كبيرة وسريعة. إلا بعد إعمال النظر في أسباب هذا التغيير ومبرراته. وعند المفاصل التاريخية الكبري. ومثال علي ذلك تطوير الولايات المتحدة. والغرب. لاستراتيجياتهما تجاه العدو الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي. بل والعسكري. الرئيسي. الذي ينبغي علي المعسكر الغربي التصدي له. في أعقاب هزيمة النازية. التي تحالف الجميع. شرقاً وغرباً. في مواجهتها. إبان الحرب العالمية الثانية.
ولم يجر اختيار الاتحاد السوفيتي السابق. لوضعه في ذلك الموضع. اختياراً جزافياً. أو عشوائياً. وإنما لأسباب موضوعية صارمة.
فالمعسكر الرأسمالي. بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. راعه تمخض الحرب العالمية الثانية عن ميلاد قوة عظمي خطيرة. تمتد علي مساحة شاسعة من الأراضي. العامرة بالامكانات والثروات. والكفاءات البشرية. والقدرات العلمية والتقنية. وتمتلك قوة عسكرية ذرية هائلة. وترفع شعارات مناقضة. وتسلك سياسات معادية. للرأسمالية. ولأمريكا. ولسياستيهما ومصالحهما!. وهي بهذا أصبحت تمثل تهديداً خطيراً لا ينبغي التردد في مواجهته. ووصل الأمر إلي دفع الأوضاع أحياناً إلي حافة الحرب النووية المدمرة. فيما اطلق عليه سياسة "حافة الهاوية". لأن أي تهاون أو تراجع إزاء الشرق. كان يعني - من وجهة نظر منظري الغرب - تقديم تنازلاً خطيراً. لا يمكن احتماله. ولا ينبغي قبوله. مهما كانت الأسباب والنتائج!
وقد احتاج الأمر. جهداً غربياً. منظماً وممتداً. استمر بلا كلل ولا تراجع. علي امتداد نحو خمسة قرون متواصلة. حتي تكلل الأمر بالنجاح. وتفكك الاتحاد السوفيتي. وتناثرت مكونات "الكتلة الاشتراكية". الخصم العنيد للرأسمالية الغربية. ونصير الشعوب المكافحة من أجل الاستقلال والتقدم!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف