الوطن
سهير جودة
إنجاز مصرى كامل الأوصاف
تشتعل مصر فرحاً؛ فالنجاح يجملها ويرفعها فى مشروع قناة السويس الجديدة. الاتجاه والأسلوب والأداء التى أُنجز بها هذا المشروع تلقننا درساً فى الإدارة والتحدى وبإمكانها الآن أن تقطع المسافة بين القاع والقمة. أنفقت مصر عاماً فى ابتكار النجاح ليعرف الإنجاز طريقه للوطن الذى يتكالب عليه الأعداء ويتناوب الخصوم على ضربه ولكنهم فى هذا المشروع خسروا الرهان وخذلتهم الإرادة المصرية. إنجاز قناة السويس خطوة على طريق النصر، شىء حقيقى يتحقق؛ فهذا المشروع ينتمى إلى فصيلة المشروعات التى تمتلك القدرة على تغيير وجه الحياة لمصر من حيث أهميتها فى العالم ومن حيث العائد الاقتصادى، وهو أيضاً من المشروعات التى تبث الثقة والاطمئنان والكرامة والشعور بالإنجاز والقيمة للناس والدولة وهو ككل المشروعات التاريخية يأتى فى لحظة أزمة لينمى روح التحدى الذى يكسبنا كل معانى الإيمان فيتحول هذا المشروع إلى معركة قومية لا بديل فيها عن الفوز للناس وللدولة كما كان مشروع السد العالى.. إنه نوعية من المشروعات التى تستفز طاقات الناس وقدراتها. إنه مشروع كامل المواصفات؛ فالشعور بالأهمية والقيمة وصل لجميع الناس وربما يكون هذا المشروع هو الوحيد المطابق لهذه المواصفات منذ نهاية عصر عبدالناصر حتى اللحظة.

المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى مصر كان اتجاهاً تحققت فيه هذه المواصفات ولم تتحقق فيه مواصفات المشروع وعجزت الحكومة والإعلام عن تحويله إلى تحدٍّ شعبى ومتابعة نتائجه وبالتالى كان لحظة رائعة وانتهت لنواصل نزيف إهدار المعانى واللحظات المضيئة. ومع إنجاز قناة السويس الجديدة لا بد أن يتوقف هذا الإهدار وكفانا الانحياز إلى الفشل.

فرص هذا النجاح لا بد أن تتحول إلى سياق ومواصفات قياسية وطبيعية لهذه المرحلة فكل شىء يحدث سواء كان كبيراً أو صغيراً، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً لا بد أن يتم بهذه المواصفات التى حدثت فى مشروع قناة السويس ويحقق التحدى نفسه ويجمع النتائج نفسها ويتماس مع الشعور العام لنبدأ مرحلة لها مواصفاتها الإنجازية، مرحلة ترفض الجهد المهدر الذى لا يصل إلى الناس ولا يحقق نتائج. الإحساس العام لهذه المرحلة لا بد أن يكون على درجة الإحساس نفسها بالمشاركة فى صنع الحدث كما فعل فى قناة السويس. وبدون مواربة لم يحدث هذا التماس بين الإدارة السياسية وبين الناس منذ عصر جمال عبدالناصر فائق الحضور سواء فى 25 يناير أو مع السيسى (رمز «30 يونيو»). فى كل إنجاز لا بد أن نستدعى إرادة ومبادئ جمال عبدالناصر كرمز وليس كشخص. «هل زرتِ قبر عبدالناصر اليوم؟».. هذا السؤال جاءنى عبر الهاتف من صديقة أردنية طلبت منى أن أرسل باسمها ورداً لقبر عبدالناصر فى ذكرى 23 يوليو قائلة بفخر «إنه ناصر الذى أورثنا ثروة قوة العلم والكرامة والتحدى.. إنه ناصر العرب وليس مصر فقط. نحن لنا فيه كما لكم، نحن أحوج ما نكون لمبادئه وإرادته». كلمات صديقتى التى أكدت أنه لو استطاعت لجاءت إلى القاهرة فقط لزيارة قبر عبدالناصر والاحتفاء بذكراه أخجلتنى؛ فبحثت عن طريقة لاستعادة اكتشاف هذا الرمز المبدع والملهم وكان كتاب «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر» لأحد المقربين منه والمخلصين للوطن، سامى شرف، طريقى لاستعادة الذاكرة. «لماذا أصبح ناصر رمزاً؟» تساؤل أجاب عليه «شرف» بقوله «كانت لعبدالناصر صورته الجماهيرية الطبيعية وغير المصطنعة وقد نفذت إلى قلوب الجماهير العربية ووجدانها فى أقطار لم يكن لعبدالناصر سلطان عليها، بل كانت بعض حكوماتها تسعى للقضاء على صورته فى وجدان الناس، لقد كان يريد أن يجعل مصر نموذجاً على الأرض العربية يجسد معنى الاستقلال السياسى والاقتصادى، نموذجاً تتحقق فيه حرية الوطن والمواطن عن طريق بناء مجتمع.. لم يكن ينطلق فى بناء مصر من منطلق قُطرى بل كانت معاركه من أجل تقريب يوم الوحدة العربية التى كان يراها كلاً لا يتجزأ، سواء فى ناحية الأمن أو التنمية، وجهَى عملة واحدة هى الاستقلال».

جمال عبدالناصر انحاز للفقراء وعادى الإقطاع والرأسمالية الكبيرة والمستغلة.. قد يكون حدث تجاوزات وهذا جائز لكن لا ينفى إطلاقاً أنه وقف إلى جانب العمال والفلاحين وصغار الموظفين.

دائماً لا بد أن نتذكر ونعرف لماذا بقى عبدالناصر رمزاً لأحلام الناس.

هناك شهادة من رجل المخابرات المركزية الأمريكية من الشهادات التى قدمها سامى شرف فى كتابه، يقول «يوجين جوستين»: «مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة مما يجعله من الناحية العملية غير قابل للتجريح فلا نساء ولا خمر ولا مخدرات ولا يمكن شراؤه أو رشوته أو حتى تشويهه. نحن نكرهه ككل لكننا لا نستطيع أن نفعل تجاهه شيئاً لأنه بلا رذيلة وغير قابل للفساد».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف