يسرى السيد
.. ودخلت الثقافة المعركة من مقهي مصر المحروسة!!
اذا اردنا التقدم للامام لابد من النزول للناس.. اذا اردنا أن ننفض تراب التخلف ونهزم خفافيش الظلام لابد من النزول لساحة النزال.
نعم تركنا الشارع لسنوات طويلة حتي سكنه اعداء الحياة وبثوا فيه سمومهم.. لكن المفاجأة أن الناس مازالت بخير وتتعطش لكل ما هو حقيقي وجاد.. نعم الأزمة كبري ومتشعبة لكن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة.. نعم الغلاء والجوع والبطالة واليأس والاحباط.. الخ.. جبال من المتاريس يتمترس خلفها كل اعداء الحياة الآن.. والاقتصاد هو الحصان الأسود.. لكن لن تنجح كل محاولات الانقاذ اذا لم تكن الثقافة في المقدمة.. الفكر المتطرف والظلامي لن يقضي عليه من الجذور الا الفكر المستنير.. مواجهة اعداء الحياة لن تكون الا بحب الحياة.. مواجهة خفافيش الظلام لن تكون إلا ببحار النور.. مواجهة التخلف لن تكون الا ببث الوعي.. وكل هذه المواجهات سلاحها الثقافة.
لذلك حاولت أن اخوض المعركة في السيدة زينب.. والحمد لله نجحت المغامرة في النزول للشارع وسط تهديدات الارهاب من كل جانب.
الحمد لله بدأت رحلة المواجهة وما أصعب المواجهة حين يكون السلاح هو الفكر.. ما أصعب المواجهة حين تكون المواجهة مع عدو مستتر خلف فكر متحصن بنصوص متشددة لا علاقة لها بالدين الصحيح وفي نفس الوقت تتحدث باسمه.
كانت الثمار والنتائج والحمد لله مرضية إلي حد ما حين خضت من خلال مجلة مصر المحروسة الالكترونية ووزارة الثقافة ممثلة في هيئة قصور الثقافة التجربة الصعبة باقامة مقهي ثقافي في قلب الشارع.. في قلب السيدة زينب.. في رحاب شهر رمضان اقيم "مقهي مصر المحروسة" من 8 رمضان إلي 22 رمضان "25 يونيو 9 يوليو 2015" من التاسعة مساء حتي الواحدة صباحاً.. علي مقهي حقيقي وفي منتصف واحد من اعرق شوارعها وهو شارع خيرت الذي يربط بين شارع المبتديان وميدان لاظوغلي.
وما أصعب المواجهة مع فكر يتمترس وراء جبال من الفقر والجهل والمرض بالانتقال للمواطن البسيط من خلال اقامة حوارات سياسية وثقافية وفكرية وأمسيات شعرية وانشطة فنية.
وكانت الرغبة قائمة لبث فاعلياته مباشرة علي شبكة الانترنت لننقل بذلك صورة حقيقية عن تفاعل رجل الشارع والمواطن البسيط بالقضايا الثقافية ثم بثها الكترونيا علي الهواء مباشرة من خلال شبكة الانترنت والفيس بوك للوسط الثقافي المصري أولا. وللعالم العربي من جهة ثانية. والعالم الخارجي من جهة ثالثة لتقديم الصورة الحقيقية للثقافة المصرية في محاولة منا لاثراء القوة المصرية الناعمة في محيطها العربي والاقليمي.
وتم تسجيل أكثر من 13 سهرة للمقهي تتراوح مدتها من ساعتين إلي 3 ساعات وتم رفعها علي شبكة الانترنت الآن ليشاهدها جمهور الانترنت في كل انحاء العالم لنقدم صورة حقيقية عن اجواء شهر رمضان في مصر من جهة ومن جهة ثانية نرسخ للعالم صورة أخري مغايرة لما يحاول بثه اعداء الحياة عن مصر واهلها.. باختصار نقول للعالم كله ان مصر بلد الأمن والأمان حتي نجذب ملايين السائحين بدليل اقامة مثل هذا النشاط في الشارع وعلي الرصيف وفي قلب واحد من اعرق الاحياء المصرية في قلب العاصمة المصرية.
الكل حذرني وكلما زادت التحذيرات زاد تصميمي.. كلما زادت العراقيل ايقنت أن النجاح سيكون حليفي لان النجاح الصعب له مذاق أجمل.. وما أجمل أن تري الفرحة في عيون رجل بسيط وهو يستمع للغناء والموسيقي والحوار.
نعم البداية كانت محفوفة بالمخاوف ومحاطة بالخطر.. وبدأ جس النبض في الليلة الثانية وكان شباب السيدة زينب حائط الصد إلي جانب رجال أمن هيئة قصور الثقافة ومديرية أمن القاهرة وقسم شرطة السيدة زينب.. وسرعان ما بدأ التجاوب الذي وصل في النهاية لمطالبة الأهالي باقامة المقهي أسبوعيا أو شهريا علي أقصي تقدير بعد شهر رمضان.. ما أجمل الاحتماء بالشارع.. ياه علي دفء الناس البسطاء!!
نعم حالت الظروف الأمنية دون اقامة لقاءات فكرية مع بعض الوزراء الذين رحبوا بالمشاركة ومنهم د. عبدالواحد النبوي وزير الثقافة وخالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة واللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية ود. جلال السعيد محافظ القاهرة ومع ذلك كان غيابهم سببا في ارتفاع الاقبال الشعبي وكان العائد الثقافي والسياسي مرضيا لحد كبير.
وكانت كل ليلة من ليالي المقهي محتفية بنجم كبير في سماء الفكر والفن والابداع كضيف للشرف. أو بموضوع قضية كبيرة كانت هي ضيف الشرف من خلال ضيوف المقهي وعلي سبيل المثال لا الحصر: كانت حرب أكتوبر العاشر من رمضان وانتصارات الجيش المصري هي ضيف الشرف في 10 رمضان من خلال الاحتفاء باللواء عبدالمنعم سعيد محافظ السويس وشمال وجنوب سيناء.. الخ الأسبق واحد المشاركين بالتخطيط وواحد من عشرة ممن عرفوا موعد حرب أكتوبر وكان الذراع الأيمن للمشير الجمسي في غرفة العمليات مع أنور السادات وأفصح عن أسرار كثيرة عن الحرب وشاركه في الليلة اللواء سامح أبوهشيمة أحد أبطال الصاعقة المصرية.
كانت هموم صاحبة الجلالة هي ضيف الشرف في أحد الليالي من خلال استضافة يحيي قلاش نقيب الصحفيين وفهمي عنبة رئيس تحرير الجمهورية وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق وجيلان جبر الكاتبة الصحفية.. وكانت اعتراضات نقابة الصحفيين علي مشروع قانون مكافحة الإرهاب والصحافة الخاصة والقومية بمشاكلها وتدخلات الحكومة ورجال الأعمال في سياساتها التحريرية هي البطل في ليال أخري.
ماذا يحدث في سيناء؟.. كان المدخل غير المباشر للحديث عن الارهاب من خلال استضافة الخبير الأمني خالد عكاشة والخبير الاستراتيجي د. سعد الزنط.
الفن الشعبي والسينما والمسرح والقضية الفلسطينية كانوا ضيوف الشرف في أكثر من ليلة من خلال استضافة عبدالرحمن الشافعي وماجدة موريس وعمرو دوارة وعبدالعال الباقوري للحديث والنقاش مع وجود أكثر من فرقة من الصعيد ووجه بحري وفي المقدمة فرقة النيل للانشاد الشعبي في أكثر من ليلة ومن الشخصيات الثقافية والفنية التي كانت ضيوف الشرف في بعض الليالي الاخري د. عماد الدين أبوغازي وزير الثقافة الأسبق ود. مصطفي الرزاز وشاعر العامية الكبير زين العابدين فؤاد والكاتب عبدالعال الباقوري وعزة بلبع.. الخ.
وازدانت الليالي بمجموعة متنوعة من شعراء العامية وشباب الفنانين التشكيليين والديكور والباحثين من مختلف الاجيال والغلبة كانت للشباب وتم المزج بين الحوارات الفكرية والغناء والموسيقي والانشاد الديني الذي امتزج بالترانيم الكنسية في مزج نادر للفنون.
وكانت المغامرة كيف استطيع جذب رجل الشارع البسيط للاستماع لجماليات الفن التشكيلي وهموم السينما والمسرح والشعر والسياسة والصحافة.. الخ من قضاية صعبة علي المتلقي البسيط.. وكانت الوصفة السحرية في نموذج برنامج التوك شو الثقافي التليفزيوني حتي نكسب الجمهور ونقدم له الفكر مغلفا بالفن والغناء والموسيقي حتي لا ينصرف عنا الجمهور.. وتبنيت مرغما وجهة النظر الاخري في النقاشات والحوارات لتكون سببا في سخونة الحوارات ومنحها جاذبية للمواطن البسيط.. وللترويج لاحترام الاختلاف.
والحمد لله نجحنا..
والفضل كل الفضل لمن آمن معي بالفكرة وخاض معي التجربة اقصد المعركة. من داخل قصور الثقافة الصديق محمد عبدالحافظ ناصف رئيس قصور الثقافة والفنان التشكيلي خالد سرور.. ومن بعد كان يراقب التجربة ومعجبا بها ومشيدا بها د. عبدالواحد النبوي وزير الثقافة.
لكن الفضل الأكبر لمن نزل معي لساحة المعركة من عشرات الشعراء والكتاب والفنانين الذين ذكرت بعضهم ولا يتسع المجال لذكر الباقي لكن الكل موجود بالصوت والصورة علي الانترنت.. والصورة بتكدبش!!
شكراً لوزير الداخلية ومدير أمن القاهرة ومأمور قسم شرطة السيدة زينب ورجال المباحث هناك الذين ادركوا أن الثقافة نزلت أخيرا لميدان المعركة معهم!!