عندما قرأت المتابعات الصحفية لتخريج دفعة جديدة من «نسور الجو» وأن اسم الفريق سعد الشاذلي أطلق علي الدفعة، انتابني تأثر واستغرقت في التأمل، فلكم عاني هذا البطل العظيم الاستثنائي، والذي يعتبر القائدالعملي للعبور العظيم في أكتوبر وإعداد الجيش لهذه المهمة التاريخية وقد تابعت تفاصيلها بدقة من خلال عملي كمحرر عسكري للأخبار، حضر الرئيس السيسي القائد الأعلي للجيش، والقادة يتقدمهم القائد العام للجيش الفريق صدقي صبحي، تخريج الدفعة، الآن يقود الجيش جيل جديد أهم ملامحه الوطنية النقية، والاحترافية العالية، والخلو من أي حساسيات. مازلت أذكر حضوري جلسة تكريم قادة الجيش في فبراير 1974، وكان السادات حاضراً، حريصاً علي ارتداء الزي العسكري رغم انقطاع علاقته بالجيش منذ الاربعينيات. كان المشهد غريباً، غياب ثلاثة من الأبطال، اولاً رئيس اركان الجيش الفريق سعد الشاذلي رغم أنه هو الذي أعد الجيش للعبور. بدءاً من الخطط الي أدق التفاصيل التي اولاها عناية عظيمة، احتفظ بكتيبات صغيرة من أهم إبداعات العسكرية المصرية. كتبها بنفسه، في حجم امساكية رمضان يمكن وضعها في جيب السترة: ماذا تفعل إذا ضللت الطريق في الصحراء؟، ماذا تفعل إذا وقعت في الأسر؟، ارشادات عملية لميدان القتال، رأيته مهتماً بأمور لا تخطر علي بال. مثل حجم الحمولة التي يمكن للجندي أن يحملها علي ظهره مع صمود الساتر الترابي، وهو من اكتشف امكانية استخدام العربة ذات العجلات الثلاث لنقل الذخيرة والمعدات. كان شديد الحيوية، رأيته صباح الأحد السابع من أكتوبر يقود العمليات من الجبهة. كان متجهاً إلي مقر قيادة الفرقة الثانية، تعانقنا حتي أنني دمعت، أعرفه منذ عام 1969 عندما كان قائداً للقوات الخاصة التي تم فيها دمج الصاعقة والمظلات في تشكيل واحد، وكان ذلك دقيقاً للغاية، توثقت علاقتي به في البحر الاحمر عندما عين في عام 1970 قائداً لها بعد تكرار غارات الاسرائيليين علي المنطقة، قطع دابرهم وشرح لي التفاصيل، أن تجربته في البحر الاحمر تستحق الدراسة الآن، كان ضابطا جريئا، شجاعاً، عاش عمره كله في الرمال. في التشكيلات. حتي أنه كان يقول لي إنه لا يجيد التعامل مع تفاصيل الحياة اليومية، لا يستطيع شراء قميص او فاكهة، كان جسوراً. عالي اللياقة، استمر يواظب علي القفز بالمظلة حتي بعد توليه رئاسة الاركان، وكان مدير مكتبه اللواء مظهر عيسي شقيق زميلنا الرائع جلال عيسي ومن خلاله تعرفت علي أبعاد عديدة لشخصه الاسطوري، بعد توقف اطلاق النار علي الجبهة المصرية اوفدني الاستاذ موسي صبري أحد اكبر الصحفيين المصريين الي الجبهة السورية، وهناك رأيت صورة الشاذلي تباع بما يوازي دولارا وكان ذلك سعراً مرتفعاً وقتئذ، وكانت العبارة المكتوبة تحت الصورة التي يرتدي فيها البيريه القرمزي «بطل العرب» هذا أحد الاسباب التي أدت إلي ضغط السادات عليه والهجوم عليه في خطب علنية عندما قال «إنه جاءني» منهاراً بعد الثغرة» ومن يعرف الشاذلي يوقن أنه أبعد الخلق عن الانهيار. أحمد الله كثيراً انني عشت حتي رأيت رد الاعتبار لأحد رموز الجيش، وأتمني يوما يحاسب فيه السادات معنوياً علي اخطائه الكبري في الحرب، واهمها محدودية الهدف بالقياس إلي قدرة الجيش وكشف الهدف الرئيسي للجيش عندما أبلغ كيسنجر يوم السبت السادس من أكتوبر بأن القوات لن تتقدم أكثر من ذلك، في نفس اليوم وصل ذلك إلي إسرائيل مما مهد للثغرة.