علاء عريبى
بين «71» دستور و»33» إرهاب
عندما كانت لجنة الخمسين تناقش مواد دستور ما بعد جماعة الإخوان، حذرنا من بعض المواد الخاصة بحرية التعبير، وكان على رأسها المادة 71، والتى نصت لأول مرة على الحبس فى دستور من دساتير مصر، وأيامها كتبت هنا وطالبت بحذف الفقرة الثانية التي تقر بالحبس بشكل مباشر فى قضايا التحريض على العنف، والتمييز بين المواطنين، والطعن في الأعراض، وقلت ان هذه المادة ستكون سابقة فى تاريخ دساتير مصر، واستعرضت أيامها مواد الصحافة وحرية التعبير فى الدساتير ابتداء من دستور 1923، وحتى الدستور الذى وضعته جماعة الإخوان.
وقد اتصلت بنقيب الصحفيين آنذاك ضياء رشوان، وفوجئت به يقول لى بالنص: كل دساتير العالم فيها حبس، والدساتير امامى أهه، قلت له: ليس صحيحا ما تقوله، وانهيت معه المكالمة، وبدأت اتصل ببعض الكتاب لكى يتصدوا لهذه الكارثة، وكان من بين من اتصلت بهم: الشاعر فاروق جويدة، ود.عمار على حسن، وغيرهما ووعدوا بالرجوع للمواد والكتابة فى هذا الشأن، لكن للأسف لم يهتموا، حتى أنني طلبت من عمار على حسن أن يتحدث عن المواد فى برنامجه ووعد.
اتصلت بالزميل النقابي المخضرم يحيى قلاش وهو من الشخصيات المحترمة ويتحلى بالطيبة والشهامة، لكنه ناصرى، والناصريون واليساريون مثل الإخوان يؤمنون بالعشيرة أولا وأخيرا، يحيي قال لى: أنا متحفظ على المادة، قلت له: فيه فرق بين التحفظ والرفض، وهذه المادة سوف تكرس لأول مرة للحبس فى الدستور، وكانت قناعاته ما يردده الناصريون الذين طبخوا مادة الحبس، وقلت له فى مكالمات أخرى: انتم الناصريون سوف تزجون بالصحفيين إلى السجون لكى يظل بعضكم فى منصبه، وغضب يومها وتعصب، وللأسف تكاتفت العشيرة وطبلت، وتابعنا الهيصة والزمبليطة فى الصحف الخاصة وتبعتها الحكومية، ونشرت تصريحات لمن طبخوا فقرة الحبس أكدوا فيها أن هذه المادة ستلغى بعون الله الحبس فى القوانين، وفعل نفس الشيء زعماء وقادة التوك شو.
الطريف أن مبررات بعض الزملاء ممن شاركوا فى هذه المادة، كان يتلخص فى أن جماعة الإخوان سوف ترفع راية العنف والإرهاب، وكان من الضروري وضع هذه الفقرة لمواجهة عنف الجماعة، وأذكر أن بعضهم صرح بمثل هذه المبررات والبعض الآخر كتبها فى مقالاته، وللأسف كانت جريدة الوفد الجريدة الوحيدة التى تصدت للمادة الخاصة بالحبس فى الدستور، الفقرة الثانية من المادة 71:
«ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد عقوبتها القانون».
وأذكر قبل صدور الدستور تم تغيير صياغة الفقرة من الصياغة المباشرة إلى الضمنية، واتصل بى النقابي طيب القلب يحيى قلاش وقرأ لي صياغتها الجديدة، وقلت له: ودنك منين يا جحا، أنتم تستغلون جهل بعض الصحفيين بالقوانين، وقلت له: جملة «التحريض على العنف» مطاطة وستشمل العنف اللفظى والجسدي، الإرهاب والنقد العنيف، وسيتم تأويلها حسب الواقعة التى تتضمن أو تؤول بالعنف، ابتداء من العنف اللفظي حتى العنف الجسدي، وكذلك جملة «التمييز بين المواطنين» وقال لى عجبك يعنى التكفير والعشيرة والجماعة.
بعد مرور عام أو أقل على هذه الفقرة صدقت توقعاتي، وأعدت الحكومة قانونها لمحاربة الإرهاب، وجاءت المادة 33 إرهاب من رحم المادة 71 دستور، حيث لا نرى أي تعارض بين نص 33 إرهاب وجملة» التحريض على العنف» من «71» دستور، ولا أعرف لماذا نعترض ونص الفقرة واضح وضوح الشمس، إلا إذا كان للتحريض على العنف تفسير آخر لدى السادة اليساريين الذين ورطوا مصر والصحفيين في جرائم الحبس بالدستور، والله اعلم ماذا يخفون لنا فى قانون الصحافة السري.