أشرف عزب
قانون الفهلوة وشد الأجزاء
هكذا نحن نستيقظ بعد فوات الأوان ونعود كما كنا بعد مرور وقت بسيط، وكأن شيئاً لم يكن، هذا هو الواقع المؤلم الذي نعيشه شعباً وحكومة، ويعاني منه الجاني والضحية، ويمارسه السائل والمسئول، ونشاهده من بعيد حتي يقترب منا الخطر ويمارس سطوته علينا بقوة.
لم تكن تلك الحوادث التي تشهدها مصر، والتي يذهب ضحيتها أرواح أبرياء، إلا نتاجاً لقانون الفهلوة الذي يتبعه الكثير منا ويتغلغل فينا، وتمارسه غالبية الجهات التنفيذية والإدارية في الحكومة بشكل مختلف وصور متباينة أشبه بشد الأجزاء.
فقد شهدت مصر هذا الأسبوع حادثة مركب الوراق الذي راح ضحيته أكثر من أربعين شخص ذهبت أرواحهم هباءً، لأنهم لم يكونوا يعلمون أن الموت يختبئ لهم خلف تذكرة التنزه في النيل، ويستتر داخل قوانين الفهلوة و «ما حدش شايف حاجة»، هذا القانون الذي لم يقره الدستور، ولم تعترف به أي شريعة أو شرع، بل تعاملنا معه علي أساس واقع موجود أقررناه نحن، وشرعناه لأنفسنا، وتعاملنا معه علي أنه دستور خاص لمنهج حياتنا، فأصبح الشريف فينا ضعيفا وغير فاهم ببواطن الحياة، «فالرزق يحب الخفية»، وآمنا بأن الشاطر فينا يجب أن يتقن هذا القانون ويدرسه، ويعلمه لأبنائه، ويورثه كل منا لأحفاده.
فسائق المركب المشئوم لم يقم بعمله، وترك قيادة المركب لابن مالكه، وانشغل هو بقطع التذاكر للمتنزهين، وكشفت التحقيقات أن هذا السائق قفز من المركب أثناء غرقه، وتمكن من الهرب لأنه يجيد السباحة بطبيعة الحال، وقال المتهم في التحقيقات إنه كان مشغولا بترتيب الركاب، وقال إن هذه الزيادة في الحمولة كانت استثنائية نظراً لإقبال الناس علي التنزه في النيل الي آخر الأسباب الوهمية التي يقولها أي متهم.
في حقيقة الأمر إن السبب الرئيسي في هذه الحادثة وغيرها هو الإهمال الذي يقضي علي فرحة الناس دائماً، ويجعلهم يفكرون ألف ألف مرة قبل أن يقطعوا تذاكر للتنزه، لأن الناس يقطعون التذاكر للذهاب الي الآخرة نتيجة الاهمال وفساد الضمير الذي يجعلنا نستخف بكل شيء، ونعتقد اعتقادا راسخاً أن كل الأمور تمر مرور الكرام، إنه قانون الفهلوة!
حتي الحكومة التي تقوم باتخاذ كل الإجراءات، وتقوم بتفعيل القوانين، تمارس نوعاً جديداً من القانون أشبه بعملية شد الأجزاء للسلاح ، فعقب كل حادثة تقوم الحكومة بعمل شدة عظيمة جداً، تقيل «فلان» المسئول، وتعين «علان» مكانه علي اعتبار أنه الأصلح والأنفع وسيعيد الأمور إلي نصابها الصحيح ، وتقوم بتطبيق القوانين الغائبة فوراً، وتغلظ العقوبات الرادعة، وتدفع التعويضات لأهالي الضحايا.
وتحدث ربكة وتوتر في القطاع الذي تقع في نطاقه الحادثة، ويلتزم جميع الأطراف التي ترتبط بالواقعة هنا وهناك، ثم تأتي النتيجة المفزعة وتمر الأيام، وترجع الأمور إلي سابق عهدها وتحدث عملية تراخ للأجزاء التي شدتها الحكومة، في انتظار حادثة جديدة ودماء أخري حتي تعود الحكومة إلي عملية شد الأجزاء مرة أخري، سواء كان هذا الموت تحت عجلات الأسفلت، أو تحت أنقاض انهيار مبني مخالف، أو غرقاً في مياه النيل، أو داخل حضانة، أو نتيجة إهمال طبي جسيم، أو حريق مصنع ضخم، أو الصعق بالكهرباء في محول عريان، المهم أن الدماء تسيل نتيجة للإهمال والتقصير.
الخلاصة أن هذه الحوادث تقع نتيجة الفساد والإهمال والتقصير، سواء كان هذا الإهمال ناتجا عن غياب الضمير عند المتهم المتسبب في الواقعة، وهو مواطن عادي، أو نتيجة لتقصير الحكومة في المراقبة السابقة قبل وقوع هذه الكوارث، نحن نحتاج أن نرمي أسلوب الفهلوة في أقرب سلة مهملات، وأن تقوم الحكومة بدورها في الحفاظ علي أرواح مواطنيها دون تراخ أو تقصير، وأعلم أن هذه المعادلة المشتركة بين الشعب والحكومة صعبة التحقيق.