منى نشأت
بعينك .. ممنوع .. بأمر الرقيب
كنا نسمعها إذا نزلنا إلي قريتنا.. فنجد الأطفال يتجمعون حول رجل عمل عمله خارج حدود الطبيعة والعرف المتفق عليه.. خلع ملابسه أمام الناس. أو ترك شعره ولحيته مرتعا للحشرات فيجري العيال ويطلقون الصيحة الشهيرة "العبيط آهه" وفي أعمالنا الدرامية ستقع عينك علي نفس المشهد. وقبل أن تأخذك الشفقة بهذا "العبيط" تكتشف أنه لايشعر بنفس إحساسك. فهو يكمل القاء الطوب علي زجاج المحلات ليكسرها أو يقفز قفزات غير محسوبة ويفر إلي ركنه ومكانه.
ومنذ مدة طويلة لم نعد نسمع تلك الجملة ولا رأيناها.. مع انها تمثل جوهر الفطرة ربما هي غير موجودة في المسلسلات والأفلام لأنهم يخافون رصد الحالة. حيث الهطل والبله والاستعباط صار اكبر واكثر من مجرد واحد تشير اليه. أحيانا فريق العمل بأكمله يستحق أن تلتف من حوله وتتابعه وتطلق صرختك ليجري وينزوي ويختبيء.
لولا .. العلامة
وكم صرنا بحاجة لمن يشير للمخطيء ويضع عليه علامة.. حتي لايكرر نفس الخطأ غيره من بعده. ويستسهل ثم تصبح عادة وشطارة.
فنحن أمهر المقلدين في التفاهات والسقطات. ونترجم ولكن بدون تصرف وانما بمنتهي الغشم. فمن يتذكر برامج التسلية التي كانت تبث تحت اسم الكاميرا الخفية. وكلها مستوردة من برنامج أجنبي.
بداية التمصير التزمت ببعض الأسس. فبعد المقلب لابد من استئذان الضيف في البث ولو سمح ستكون علي الشاشة. فالضيف يجلس وانت تسحب الكرسي من تحته فيقع أرضا وانت تستأذنه هل تريد أن يتفرج الناس علي الوقعة.
ولان مجتمعنا غير مجتمعهم الغربي. ولانهم عندهم اكثر من جهة تحاسب وتعاقب المسييء لأي معني انساني.. جاءت أفكارهم بغير نيل من أحد. فإن رأيتها لن تشهق شهقة موت. ولا ستقل هذا عيب. أو ذلك المقلب سيسبب سكتة قلبية لهذا الرجل الكبير.
أما نحن فنهين المسن والشيخ ونفعل كل شيء.. تماما كالبهلوانات برامج نصب واحتيال تحت مسمي مقالب. اثارة فزع وذعر وما من قيمة واحدة مضافة.
عنف
وما يحدث في البرامج لا يختلف عن باقي ما نشاهد علي الشاشة حتي في الاعلانات.. اعلان عن بوتاجاز يمسك فيه رجل بآنية الطهي ويخبطها بقوة علي سطح البوتاجاز ويقول "احنا بنطبخ كده" وتأتي من خلفه إمرأة بمنتهي العنف لتؤكد "واحنا كده" وكله خبط لايعطي إلا انطباعا واحدا مرفوضا.. اننا نشهد العنف ونؤكده وبدلا من أن يحمل الاعلان رسالة في حسن استخدام الأجهزة.. يؤدي العكس.. اكسرها فهي لاتنكسر.
امرأة تتحول إلي نموذج "الرجل الأخضر" وحين تتضخم وتعتدي يخاف الكل من حولها.. دعوة أخري لأسلوب التعامل مع البشر.. أما البرامج فحدث ولا حرج.. وسيلة استرزاق. والمسلسلات وحتي الوجوه علي الشاشة.. صرت لاتري وجه بعض المذيعات والممثلات.. وكأنهن داخل قشرة من نفخ وشد وشعر كله إضافي لخلقة.. ربنا.
ونعود لما بدأنا.. نريد رقابة ترفض كل هابط.. بالأحري لاتسمه إلا بعمل له هدف. أو تشطب عليه نهائيا.. ولتكن هناك تأشيرة نضعها علي كل ما نرفض. مرفوض لعدم وجود قيمة.. انها البديل الطبيعي للجملة الأصلية.. "العبيط آهه".