هذه أول مرة فيما أعتقد يقع فيها تراشق خشن مباشر وعلني بين أبناء عبدالناصر وأبناء السادات.. بالطبع حدث من قبل كثيرا تراشق بين أنصار الرئيسين لكن هذه أول مرة يصبح التراشق عائليا ونعرف منه رؤية أبناء كل رئيس للرئيس الآخر.. وهو ما توقفت عنده "الأهرام" في تقريرها المنشور يوم الاثنين الماضي 27/7/.2015
بدأ عبدالحكيم عبدالناصر الاشتباك - أو التراشق - بتصريحات أدلي بها خلال احتفال عدد من محبي والده بذكري ثورة يوليو واتهم فيها السادات بسرقة الثورة وتحطيم انجازاتها ومكتسباتها.. وقال ان الشعب فوجيء بأنه عاد إلي نقطة الصفر مرة أخري بعد الانفتاح الملعون الذي قاده السادات منذ .1974
وانبري له عفت السادات - ابن شقيق الرئيس الأسبق ورئيس حزب السادات الديمقراطي - ممثلا عن العائلة ليؤكد ان سلبيات ثورة يوليو أكبر بكثير من ايجابياتها.. وان عبدالناصر سبب رئيسي في الخراب الذي حل بالبلاد والذي مازلنا نعاني منه حتي الآن عقب دخوله في حروب فاشلة انهكت الجيش المصري إلي جانب تقييده للحياة السياسية وعدم تنفيذ وعوده بإقامة حياة ديمقراطية سليمة الأمر الذي نعاني منه حتي الآن.. وتساءل: أين هي انجازات ثورة يوليو من الأساس من أجل أن نتعرف كيف حطمها السادات بالضبط؟!
والحقيقة ان كلا الرجلين قد جانبه الصواب وابتعد كثيرا عن الموضوعية بحكم وشائج القربي وبحكم تداخلات تاريخية كثيرة متراكمة.. فالخلاف بين توجهات عبدالناصر وتوجهات السادات السياسية ليس جديدا ولا خافيا وقد استطاع السادات بمهارة يحسد عليها ان يخفي هذا الخلاف - أو الاختلاف - طوال 18 عاما ظل فيها علي ولاء كامل لعبدالناصر.. لم ينطق بكلمة واحدة لسياساته أو قراراته مثلما فعل زملاء آخرون في مجلس قيادة الثورة فخرجوا من دائرة السلطة بينما وصل السادات إلي أن يكون النائب الأول لعبدالناصر ومحل ثقته الكاملة التي لا تقبل الشك.
وبعد شهور قليلة من وفاة عبدالناصر في سبتمبر 1970 وتولي السادات مقاليد الحكم بدأت توجهاته السياسية المخالفة تماما لتوجهات عبدالناصر تتكشف رغم كلامه المعسول ظاهريا عن الرئيس الراحل.. وكان كافيا لكي ينقلب ضده رجال عبدالناصر الذين كانوا قد أقعدوه للتو علي مقعد الرئاسة.. لكنه استطاع بمهارة يحسد عليها ايضا ان يحسم صراع السلطة معهم لصالحه.. وقبل أن يكتمل عامه الأول كان قد قضي علي كل العناصر المناوئة في ضربة واحدة اسماها ثورة التصحيح - أو ثورة 15 مايو - التي لم يعد أحد يأتي لها علي ذكر الآن.. لأنها كانت ثورة مصطنعة.
نعم.. عبدالناصر لم يكن ديمقراطيا ولم يدع ذلك.. انفرد بالحكم وفرض علي الشعب الصوت الواحد والرأي الواحد وانتهك الحريات.. وتسبب في كوارث لجيشنا البطل في اليمن وفي 1967 ومع ذلك لا يمكن لأحد ان ينكر انجازاته في تأميم القناة وبناء السد العالي والإصلاح الزراعي والتعليم المجاني وتطوير منظومة الصحة والعدالة الاجتماعية وبناء قاعدة صناعية حقيقية لمصر.
والسادات لم يكن ديمقراطيا وان ادعي ذلك.. انفرد أيضا بالحكم وفرض علي الشعب الصوت الواحد والرأي الواحد من خلال نظام حزبي هزلي يضمن له أن يظل البطل الأوحد علي المسرح وسط مجموعة من الكومبارس.. واستمر هذا الوضع طوال حكمه وحكم مبارك.. ثم كان تحوله إلي الانفتاح الاستهلاكي واقتصاد المعونات والتحالف مع الغرب وأمريكا وإسرائيل.. ومع ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر انجازه الأكبر في مصر أكتوبر 1973 الذي أعاد لمصر وللعرب عزتهم وكرامتهم.
يا سيد عبدالحكيم.. ويا سيد عفت.. ويا كل السادة الأبناء والأقارب والأنصار.. ان ما نعاني منه اليوم هو الحصاد المر لسلبيات الماضي وغياب الديمقراطية ودولة المؤسسات.. هو الحصاد المر للهوس الذي صنعه الإعلام لكل رئيس بأنه الزعيم الملهم المخلص.. وليس يهمنا اليوم من في السابقين أفضل من الأخير.. تلك معركة لا معني لها.. وإنما يهمنا ان نري بعين نافذة بصيرة الايجابيات فنعظمها ونذكر السلبيات فنتجنبها ونتعظ.. حتي نشق طريق المستقبل ونحن أكثر نضجا وأعمق تجربة.