محمد جبريل
حكايات عن قناة السويس "1"
إذا كانت الإرادة المصرية تحتفل هذه الايام بافتتاح قناة السويس الجديدة. أو قناة السويس الثانية. فإن تاريخ القناة في حياة المصريين. ونضالهم من أجلها. بدءاً بحفرها بالسخرة. وبوسائل بدائية. وانتهاء بفتح قناة موازية لهات بمساهمات المصريين. وإقبال الآلاف من المهندسين والعمال من ابناء الوطن علي العمل ليل نهار بأحدث الوسائل والمعدات. حتي تم الانجاز قبل موعده المحدد.. ذلك كله يستحق أن نستعيده. ونرويه:
ففي الساعة العاشرة والنصف صباح يوم 5 نوفمبر 1854. وصل الاسكندرية الفرنسي فرديناند ديلسبس. يحمل في حقيبته مشروعاً لشق قناة السويس وكان معني إنشاء القناة. قبول بريطانيا لقاعدة رئيسة في الطريق القصير إلي الهند.
حاولت الحكومة الانجليزية - في البداية - أن تقضي علي المشروع بكل السبل. ولجأت إلي سلاح التشهير. وأشاعت في العالم كله انباء السخرة في القناة. ووباء التيفود الذي صرع الآلاف من العمال والفلاحين. والضرائب التي يعاني فداحتها المصريون. بل والنتائج السلبية التي يحملها المشروع إلي الاقتصاد الأوروبي.
لكن القناة أصبحت واقعاً. ولم يعد أمام انجلترا إلا أن تغير من استراتيجيتها وتكتيكاتها. سعيا إلي هدف محدد: أن تحتل القناة لتحمي مصالحها في الهند. فضلا عن تحقيق أطماعها الاستعمارية القديمة.
كان تصرف إسماعيل في أسهم القناة بالبيع للحكومة الانجليزية في عام 1875. هو الممهد الحقيقي لاحتلال مصر. فقد أصبح الخديو أسير ديونه الباهظة ومن ثم حرصت السياسة البريطانية علي التدخل في شئون البلاد. وعرض معوناتها المتكررة التي زادت من فداحة المشكلة. وكان دور بعثة كيف إلي مصر في العهد الإسماعيلي- كما يقول المؤرخ ماك كون- هو جمع المعلومات التي تمكن إنجلترا فيما بعد من فرض وصايتها المالية والإدارية علي مصر
كان لورد بيكينسفلد "دزرائيلي" اليهودي الديانة هو رئيس الوزارة البريطانية في الأعوام التي أرهصت بالاحتلال مباشرة "1874-1880" وقد انتهز "1875" فرصة عرض مصر أسهمها في قناة السويس. فحصل من الرأسمالي الشهير روتشيلد علي أربعة ملايين جنيه قيمة الأسهم المصرية دون أن ينتظر موافقة البرلمان الانجليزي الذي كان في إجازة الخريف.
ومن السذاجة تصور أن تشجيع دزرائيلي لروتشيلد علي إقراض الخديو كان مقصوداً به إنقاذ الاقتصاد المصري من الهاوية التي كادت تبتلعه فالعكس هو الصحيح.
كان لقرض روتشيلد. والقروض الأخري التي سبقته. تأثير مباشر في رجوع جلادستون رئيس الوزراء البريطاني- عام بداية الاحتلال - عن معارضته. لأن القضية أصبحت "الحيطة لحماية حق الدائنين"!