جمعت أحفادي وقلت لهم:
هذه القناة الجديدة هي التي ستجعل -بإذن الله تعالي- أيامكم ولياليكم أسعد من حياة آبائكم.. هذه القناة ستعيد أمجادا قديمة عاشها أجدادكم وحرموا منها أباءكم!!!.. الكرة الأرضية تلف وتتغير وهذه الأيام نداولها بين الناس.
كنا أطفالا صغارا حينما كان مرتب الموظف سبعة جنيهات وكان يعيش مع أسرته في رخاء ونعمة ورفاهية.. كان رطل اللحمة أعلي وأغلي صنف بخمسة تعريفة.. يعني إيه "تعريفة".. التعريفة نصف قرش يعني بجنيه تشتري ما يقرب من عشرين رطل لحمة بقري أعلي صنف.. وبجنيه تشتري خروفا بقرون كبيرة ويكفي لمدة شهرين!! تذكرة سينما مترو الأمريكية أو سينما ريفولي أو كايرو أو ديانا بقرش ونصف قرش.. وإذا أردت أن تتباهي أمام فتاة ما أو بنت الجيران تقطع تذكرتين بخمسة قروش لتجلس في أي سينما من هذه السينما علي "فوتيل" تغرق داخله.. وتحت رجليك سجادة يغوص فيها قدمك وبنفس الخمسة قروش ممكن بعد الفيلم أن تأكل مع فتاتك في المطعم أسفل السينما طبقين مكرونة بشامل والسلطة مجانا!! كنت تخرج من السينما شبه سكران من جرعة الفن التي رأيتها.. لا أفلام شارلي شابلن فقط بل هناك أفلام الوصايا العشر قصة حياة سيدنا موسي والبحر الذي انفلق نصفين والعصا والثعبان وفيلم كوفاديس قصة سيدنا عيسي.. والشوارع الخلفية ودكتور جيكل ومستر هايدي.. وغيرها.. وغيرها.. وغيرها.
كان المليم له قيمة!!!! الجنية ألف مليم!! تشتري بالمليم كيس حلويات كانت اسمها "كيس أرواح"!!.. بل كانت هناك دور سينما درجة ثانية في معظم أحياء القاهرة والإسكندرية وكنت تشاهد فيلمين بقرش صاغ!! كان جروبي شخصيا كنا نسميه بالإنجليزية جروبي "هيم سلف" himself يجلس علي "الكيس" في المحل.. وقطعة الجاتوه الضخمة بنصف قرش.. الدستة المفروض بستة قروش تباع بخمسة فقط!!
* * *
أحفادي يفتحون أفواههم وتبرق نظرات عيونهم وينظر كل منهم إلي الآخر غير مصدق ما يسمع.. ولكن جدو لا يكذب ولا يبالغ.. فمتي يعود هذا الرخاء والحياة السهلة الجميلة؟؟
وأجيب علي الأسئلة التي أقرأها في العيون دون أن ينطق بها اللسان.. ستعود هذه الأيام بإذن الله ستعود بعون الله.. لقد كانت موجودة إلي ما قبل ثورة يوليو فإذا بتأميم القنال يقلب الأمور كلها إلي ضدها أموالنا في بنوك إنجلترا التي كانت تسمي "الأرصدة الاسترلينية" واسهمنا في القنال في بنوك فرنسا تمت مصادرتها فأصبح الجنيه المصري الذي كان أغلي من الجنيه الذهب أصبح لا قيمة له.. أصبح الجنيه الذهب يزيد ثمنه علي ثلاثة آلاف جنيه مصري.. وأصبحتم تسمعون عن الأرقام الرهيبة لكي تعيش بأي شكل!! تفاءلوا.. القناة الجديدة ستقلب كل الموازين بإذن الله تعالي.. سيعود الرخاء كما كان إن شاء الله ليس اليوم أو غدا.. ولكن في المستقبل القريب بإذن الله حينما تكونوا أنتم الرجال وتروون لأحفادكم كيف عاني الأجداد ولكنهم صبروا وضحوا وأصروا علي النصر علي كل شيء حتي تعود الأيام الجميلة والأحلام القديمة والله معنا أعاننا بكرمه ورضائه علي تخطي الصعاب.