الأخبار
جمال الغيطانى
السيسي .. رؤية من قرب بعيد
لم أر الرئيس عبدالفتاح السيسي إلا من خلال مسافة، تقصر أو تبعد، غير أنها مسافة ما، أكثر من اجتماع كنت طرفاً فيه، تحدثت إليه مباشرة، وجه إليّ الحديث أحيانا معلقاً علي ما أبديته، لكن عبر مسافة، إلا أنني لم أنشغل برأس الدولة خلال خمس ذري عشتها منذ طفولتي وحتي لحظتي الآن، كما انشغلت به ، وهذا أمر لا يخصني وحدي، إنما هو جزء من طبيعة العلاقة بين المصريين ورئيس الدولة الذي ينظم شئون حياتهم في مختلف العصور، اقرأ مصادر التاريخ المصري، ستجد ابن أياس مثلاً يعلق دائماً في عبارات مثل «وفيه غاب السلطان عن الظهور فيقلق الناس من ذلك» أو «وفيه بدا السلطان منشرحاً مبتسماً فسر الخلق لذلك..» وهكذا، لم يكن الناس بمعزل عن رئيسهم أو ملكهم أو سلطانهم، يعلقون عليه ويبدون أراءهم في قراراته وفي طلوعه ونزوله، وكل ما يتعلق به، في مصر سهل جداً أن يكون الانسان حاكماً، ولكن من رابع المستحيلات أن يصير زعيماً إلا بقرار من الشعب، لا أظن أن زعيماً حظي بشعبية عميقة، حقيقية، مثل سعد زغلول، ويليه مباشرة عبدالفتاح السيسي، ما يجمع بينهما شروط الزعامة في مصر، أن ترتبط بالموقف، والتحدي والمخاطرة، ربما يسألني سائل هنا، وماذا عن عبدالناصر؟، هنا أجيب بما ذكره لي نجيب محفوظ يوماً عندما سألته يوماً عن الفرق بين جنازة سعد وجنازة جمال التي شاهدت أسطوريتها، قال لي إن جنازة سعد كانت أكثر رهبة لأنه كان زعيماً خالصاً، أما عبدالناصر فكان حاكماً وزعيماً، وللحاكم خصوم، وبعض خصوم عبدالناصر فرحوا لهزيمته في يونيو، أو لغيابه، أقول إن زعامة عبدالناصر تكرست أكثر بعد رحيله بسبب من جاء بعده، ما يجعل عبدالناصر ماثلا حتي الآن، انحيازه إلي الأغلبية، وطهارة يده، ووطنيته الخالصة النقية، أما أساليب الحكم فمختلف عليها حتي الآن. شرط الزعامة في مصر المخاطرة، عندما اتجه سعد بصحبة رفاقه إلي المندوب السامي البريطاني لتقديم عريضة تطالب فقط بالاستقلال، خاطبه المندوب السامي للامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وقتئذ، وقد غربت بعد عام ١٩٥٦ بعد أن تحداها زعيم مصري آخر، قال: باسم من تتحدث؟ قال سعد: باسم الأمة، وهنا أجابه بما معناه: هل معك توكيل؟ ، هنا بدأت المعجزة المصرية التي تتجلي في ظروف خاصة جداً لا تصنع ولا تفتعل. انطلق الشعب في حملة توكيلات فريدة، يجمع التوقيعات لتفويض الوفد، هكذا وُلد أعظم حزب شعبي حقيقي في تاريخ مصر الحديثة ـ لا علاقة له بحزب الوفد الحالي من قريب أو من بعيد ـ أعتقل سعد ورفاقه، نُفي مرتين، لم يكن في سيرة حياته ما ينبئ أنه سيكون زعيماً لكن الشعب قرر، وقبل سعد أن يكون في الصدارة بعد تجاوزه الستين ـ ما يوازي التسعين الآن ـ وهذا ما جري للفريق أول السيسي وزير الدفاع، القائد العام للجيش، لم يكن معروفا للناس، كنت أعرفه من خلال الأستاذ ياسر رزق قبل أن يكون وزيراً للدفاع، بدءا من العام ٢٠١٢. ومع صعود الإخوان إلي السلطة، بعد شهر واحد بدأت أدرك أن الحالة المصرية قد بدأت في التبلور، الحالة التي انتفضت في التاسع والعاشر من يو نيو لتؤسس للصمود وحربي الاستنزاف والعبور العظيم للقناة ودحر المحتل في مشهد مهيب، تاريخي بحق، إن دور الفرد في التاريخ مازال محل دراسة، وفي مصر تزداد الحاجة إلي فهمه، ظهر السيسي ملقيا بيان الثالث من يوليو محاطاً برموز الأمة، وفي لحيظات ولدت زعامته. للشعب المصري العريق العظيم قرون استشعار لا تخطئ .. جري التفاعل الخلاق وتأكد في الخطاب الذي ألقاه داعياً إلي التفويض ضد الارهاب فكان الخروج الثاني في أقل من ثلاثة أسابيع. كل هذه الخواطر جالت بذهني الخميس الماضي وأنا أجلس في منصة الكلية الحربية وأنا اتأمل الرئيس الذي اتجه إلي منصة الخطابة ولم يكن يفصلني عنه إلا خطوة واحدة، فماذا رأيت؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف