بلدي يا بلدي أنا نفسي أروح بلدي.. يا عزيز عيني أنا نفسي أروح بلدي".. تلك هي الكلمات التي كان المصريون يتغنون بها أملا في العودة إلي بلادهم وقراهم بعد اختطافهم من بين ذويهم ومن أحضان ابنائهم وزوجاتهم ليحفروا القناة التي أشار بها الخواجة ديليسبس علي الوالي سعيد باشا لتصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض وليتمكن الغرب من الاستيلاء علي الشرق ونهب خيراته واحتلال أراضيه.
كان الفلاحون المصريون التعساء يختطفون من بيوتهم ليلا ليشحنهم رجال السلطة إلي المنطقة الواقعة بين السويس وبورسعيد ليحفروا قناة لم يكن الغرض منها سوي منفعة الغرب وذلك في حينها وعمل المساكين في الفترة من 1859 إلي 1869 مقابل طعام تزهده الحيوانات وفي ظروف بيئية وصحية ومناخية قاسية عاني المصري فيها أشد أنواع الغربة والاهمال والحرمان ويشاء الله ان يفرغ المصريون من حفر القناة في عهد اسماعيل الذي أصبح خديو مصر بأمر من الباب العالي أي نائب السلطان أو نائب الملك بدلا من ان يكون واليا أو باشا.
يقدم الخديو إسماعيل حفلات يدعو إليها كبار رجال الدولة في أوروبا وملوكها لينفق أموالا طائلة لاظهار تلك الاحتفالات في أزهي صورة وكان ذلك كله بأموال الشعب أو بأموال اقترضها علي حساب الشعب وتنتهي فترة حكمه بديون باهظة يترتب عليها تغلغل الأجانب في بر مصر ويستولون علي خيرات هذه البلاد واحتلالها إلي أن عادت القناة لحضن الوطن وبدأ الشعب يستمتع بخيرها وما تدره من أموال بعد تأميمها سنة 1956 بإجراء اتخذه جمال عبدالناصر علي اثر ذلك سالت دماء طاهرة علي ضفتي القناة حين نفذت انجلترا وفرنسا ومن ورائهما اسرائيل الهجوم الغادر علي مصر الذي انتهي بالفشل لتعود إسرائيل بعد احدي عشرة سنة بهجوم لتستطيع إسرائيل عن طريقه احتلال شاطيء القناة الشرقي ومن ورائه احتلال شبه جزيرة سيناء وتتعطل الملاحة نحو ثماني سنوت حتي استطاع القائد المصري الأصيل ابن مصر البار أنور السادات عبور الهزيمة وتحقيق النصر واسترداد القناة وسيناء وتعود الملاحة في يوم الخامس من يونيه سنة 1975 لتمحو ذكري هزيمة 5 يونيه ..1967 تعود القناة لنجني ثمرة كفاح اجدادنا وجهادهم وعرقهم ولتمحو ما لحق بهم من ظلم في حفر تلك القناة.
تتفتق العقلية المصرية في زيادة الخير والثمرات وتقام قناة جديدة بأيد مصرية.. نعم.. لكن في هذه المرة بأموال مصرية وفكر مصري وبأحدث الأجهزة والآلات التي تستعمل في الحفر لتنجز عملا في سنة واحدة كان مقدرا له أن يتم خلال ثلاث سنوات أملا في إقامة مشروعات تنمية علي ضفتي القناة تؤتي ثمرات اقتصادية يهنأ بها الشعب.
لم يختطف مصري من بيته للعمل في الحفر ولم يلق في الصحراء جائعا مريضا مرتعشا خائفا من المصير المجهول إنما ذهب بمحض ارادته مدفوعا بوطنيته محبا لما يؤديه من عمل في سبيل تنمية مصر ونهضتها.
من هنا كان الاحتفال حقيقيا تشارك فيه الأمة كلها راضية مرضية مثل كل المشروعات القومية البناءة. سيظل الاحتفال بحفر القناة الجديدة محفورا في ذاكرة المصريين يحكيه الآباء والأبناء وكلما زادت النهضة استقرت الحالة الاقتصادية وسوف يذكر الناس ان كل عمل قومي مخلص يقام بأفكار أبناء الوطن وبأيديهم وأموالهم له أثر كبير في نفوسهم وحياتهم مما يجعله مثار فخر دائما تتغني به الأجيال القادمة.