لعل من أهم ما يجب وضعه في الحسبان عند الحديث عن تفكيك الفكر المتطرف هو التفرقة الواضحة بين الثابت والمتغير. بين البشري والمقدس. فأكثر الجماعات المتطرفة تعطي كلام البشر ضرباً من القداسة قد يصل لدي بعض عناصرها إلي مساواة قدسيته لكلام الخالق عز وجل. كوسيلة للسيطرة علي عقولهم والتسليم المطلق لرأي مرشدهم. فكلام بعض علماء العقيدة أو حتي علم الكلام. وبعض المحسوبين علي الدعوة من غير المتخصصين. أو كلام كتاب التاريخ والسير. قد يرقي عند بعض أصحاب الفكر المتطرف إلي درجة النص القرآني. علي أن أحدهم قد يجادلك في فهمك للنص القرآني إن تناقض مع شيء من كلام شيخه أو مما دُسَّ له عبر كتبهم ومحاضراتهم وتفسيراتهم وتأويلاتهم. ولا يسمح لك أن تناقضه أو تناقشه في كلام شيخه المقدس لديه. فقضية تأليه البشر أو تقديسهم أو رفعهم إلي درجة المهديين المنتظرين أمر في غاية الخطورة علي التفكير المنطقي السليم.
علي أننا نفرق تفريقاً واضحاً لا لبس فيه بين انزال الناس منازلهم وإكرام العلماء وبين تقديس البشر أو محاولة تقديسهم أو إضفاء هالة من التقديس عليهم. تصور نقد كلامهم علي أنه نقد للإسلام وطعن في فهم صحيح الكتاب والسنة. مع أن كل البشر بعد المعصوم "صلي الله عليه وسلم" يؤخذ منهم ويرد عليهم في ضوء أدب الحوار ومراعاة أصوله. ولذا نؤكد دائماً أن مؤسساتنا الدينية ليست مؤسسات كهنوتية ولا ينبغي أن تكون أو تقترب من ذلك. كما أنها ليست محاكم تفتيش. فمهمتها البيان لا الحساب.
ولعل من أخطر ما يصنع التطرف هو الخلايا والجماعات والتنظيمات السرية. والاتجاه نحو الفكر المغلق علي الجماعة أو المجموعة. مما يوجب علينا تحذير شبابنا من الانسياق خلف هذه التنظيمات المشبوهة. ونؤكد أن الفكر السوي الصحيح إنما يعلن عن نفسه ويدافع عن معتقده. لا يخشي المواجهة. ولا ينعزل بأتباعه عن المجتمع. ولا يحول الدين لديهم إلي مجموعة من الطلاسم العقيمة. والمنشورات السرية. والتقية المقيتة. فخفافيش الظلام لا يمكن أن تعيش في النور ولا أن تصنع حضارة. بل ولا يمكن أن تسهم في صنعها. إنما هي تشكل خطراً داهماً علي الجغرافيا التي تعيش فيها بما تبثه من سموم وتوجس ورعب. وربما أذي من يعيش في جغرافيا هذه الخفافيش. فلا أمان إلا بنور ساطع. يزيد خطر هذه الخفافيش التي لا تستطيع أن تحيا ولا تعمل إلا في الظلام. فأهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق. وإذا فرط أصحاب الحق في حقهم تمسك أصحاب الباطل بباطلهم.
أما المناهج التعليمية فهي بلا شك بحاجة إلي مراجعة شاملة وجراحة عاجلة. فبعض الآراء العلمية والفقهية التي ناسبت عصرها وزمانها ومكانها وكانت راجحة آنذاك قد صار بعضها مرجوحاً وغيره أولي بالفتوي منه. لتغير الزمان أو المكان أو الحال. كما أن بعض المصطلحات التي ناسبت عصرها صارت في حاجة إلي إعادة نظر أو إعادة صياغة.
علي أن هناك أمراً في غاية الخطورة هو اختصار الأحكام الشرعية التي تتردد بين الوجوب. والندب. والإباحة. والحرمة. والكراهة بقسميها التحريمي والتنزيهي وخلاف الأولي في قسمين اثنين لا ثالث لهما عند المتطرفين والغالين. هما الواجب والمحرم. وبعبارة العامة: الحلال والحرام. مع إلباس المكروه أو ما هو خلاف الأولي ثوب المحرمات المهلكات. وإلباس المستحب أو المندوب ثوب الواجب الذي يهلك تاركه. وإنزال الأمور التعبدية بل العادات منزلة العقائد. مما يستوجب علي العلماء المخلصين تصحيح المفاهيم الخاطئة. خاصة في قضايا: التكفير. والجهاد. والخلافة. والحاكمية. ودار الإسلام ودار الحرب. ونحو ذلك من القضايا التي يتخذ المتطرفون من التلاعب بها وسيلة لتكفير المجتمعات المسلمة واستباحة الدماء والأموال والأعراض.
والذي لا شك فيه أن مواجهة الفكر المتطرف يجب أن تكون شاملة رأسياً وأفقياً. بتجفيف الفكر المتطرف وحظر الجماعات المتطرفة وعدم السماح لها بممارسة أي أنشطة دعوية أو ثقافية خارج إطار القانون. كما يتطلب الأمر تجفيف منابع تمويلها. ومتابعة قضايا غسيل الأموال. والأموال الفاسدة والخبيثة والقذرة التي تستخدم في تمويل الإرهاب. وسرعة سن القوانين الرادعة التي تردع من تسول له نفسه إرهاب المجتمع. مع إعادة النظر في الإجراءات لتحقيق العدالة الناجزة التي تحقق الردع المطلوب. كما ينبغي أن تمتد المواجهة أفقياً علي مستوي الدول العربية والدول الإسلامية وكل الدول المحبة للسلام التي تعمل بصدق علي تحقيق الأمن والأمان. علي ألا تكون مواجهة الإرهابية عملية انتقائية. إنما يجب أن تكون شاملة ومنظمة عبر تنسيق بين الجهات المتناظرة في مواجهة الإرهاب الغاشم. بحيث يشمل التنسيق الجهات والمؤسسات الدينية والعلمية والتعليمية والفكرية والثقافية والتربوية والبحثية والأمنية. وسرعة العمل علي تكوين القوة العربية المشتركة لمواجهة الإرهاب الذي يهدد دول المنطقة. مع السعي الدائم إلي تحقيق جميع ألوان التكامل بين الدول العربية بما يسهم في تحقيق الأمن والأمان والتقدم والازدهار لجميع دول المنطقة.
وختاماً أؤكد أن الأيدي المرتعشة ومن يقفون موقف المتفرج أو من يمسكون العصا من المنتصف ويتأرجحون في المنطقة الرمادية لا يمكن أن يكونوا رجال هذه المرحلة التي تحتاج إلي شجاعة المواجهة.
كما أؤكد أن الإرهاب عرض ومرض وأنه إلي زوال. وعلينا أن نجتهد في العلاج لاستئصاله استئصال الورم الخبيث من الجسد وإن كلفنا ذلك شيئاً من الجهد والمشقة والتحمل.