عبد المجيد الشوادفى
التمييز الأمريكي بين تركيا والعرب
العلاقات بين الدول ترتبط دائماً بالمصالح التي يحققها كل طرف من وراء تعامله مع الآخر.. وهي لا تقتصر عادة على المنفعة المادية او الاقتصادية ولكنها تتعداها الى مواقف الدعم السياسي والعسكري واللوجستي والتضامن في الازمات والمعارك ضد الاعداء والمناهضين لمواقف دولة تجاه الأخرى.. وطبقاً لأهمية وقيمة المكسب تظهر قوة العلاقة او ضعفها والمساندة والتعاون بين كلا الجانبين سلباً أو ايجاباً.. وقد ظهر هذا النوع من التمييز في التعامل بين الدول في الشرق والغرب الكبرى والصغرى والغنية والفقيرة والقوية والضعيفة والقريبة والبعيدة على حد سواء.. وكان من نتائج ذلك اتساع دائرة الخلافات السياسية والمواجهات في الحروب والمعارك القتالية وممارسة الضغوط وفرض العقوبات والمقاطعات الاقتصادية غير المتكافئة وغير الملائمة من خلال اجراءات تفضيلية تعطي بموجبها دولة الاولوية لـ«فئة معينة» عن اخرى.. او لدولة عن باقي الدول دون قواعد منظمة أو معايير ثابتة او دوافع ومبررات قانونية.. وقد استخدم مصطلح «التمييز الايجابي والسلبي» لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية اثناء حكم الرئيس «جون كيندي» بموجب الامر التنفيذي الصادر في 6 مارس 1961 وتم إدراجه في العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية تحت المادة «122» وتعرض للنقد لانه يقلل من انجازات الاخرين ويعوق تسوية الخلافات بين الدول ويصنع اخطاء جديدة ويزيد الثورات العرقية.
لقد استعادت امريكا بعد اكثر من نصف قرن ذاكرتها تجاه ذلك المصطلح السياسي كي تطبقه في علاقاتها مع دول المنطقة العربية وفي مقدمتها دول الخليج بعدما استحوذت على مقدرات المنطقة من ثرواتها البترولية ومواردها المالية واودعتها مخازنها الارضية وخزائنها المصرفية. ونشرت على الارض العربية قواعدها العسكرية. ودعت الى ترسيخ مبادئها الزائفة في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كوسيلة للفتنة وتحقيق الفوضى الخلاقة بين شعوب الامة العربية. وصنعت في مواجهة ذلك تنظيما ارهابيا سمته الدولة الاسلامية في العراق والشام، ودفعت بالجماعات والحركات المتطرفة التي تبنتها ودعمتها الادارة الامريكية على مدى العقود الخمسة الماضية لتكون طرفاً في الصراع على سلطة تلك الدول لتمزيق اوصالها ولتصبح امريكا الخصم والحكم بين انظمة الحكم والشعوب ومقاتليهم في دول العرب باعتبار ان تلك الاطراف المتصارعة في كل دولة جميعهم من الحلفاء المرتبطين بعلاقات التعامل الايجابي او السلبي مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب وللدلالة على كل ما سبق نعرض من التمييز الايجابي والسلبي لعدة نماذج.
أولها: الاتفاق بين تركيا وامريكا على ما يسمى باستمرار التعاون لتصعيد الحرب على داعش ونقل موقع تُرك برس ان الطرفين بحثا في اجتماعات ومباحثات مكثفة بمقر قيادة الاركان بالعاصمة انقرة عدة قضايا ذات الاهتمام المشترك حول مكافحة الارهاب ومجموعاته المنتشرة في سوريا والعراق وعرض الجانب التركي خطته العسكرية تجاه المجموعات المسلحة التي تشكل تهديدا مباشرا على امن وسلامة الاراضي التركية من جانب سوريا.. وطلب الوفد الامريكي فتح قاعدة انجرليك التركية العسكرية امام طائرات قوات التحالف الدولية وتسليح طائرات من دون طيار في القاعدة لاستخدامها في الحرب ضد داعش.
ثانيها: اطلاق مبادرة تفاعلية للتراسل الالكتروني بمشاركة الامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الامريكية تحت مسمى مركز صواب لدعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد تنظيم داعش لاعلاء اصوات الملايين من المسلمين وغيرهم في جميع انحاء العالم الذين يرفضون ويقفون ضد الممارسات الارهابية والافكار الكاذبة والمضللة.. وتسخير وسائل الاتصال والاعلام الاجتماعي على شبكة الانترنت لتصويب الاخطاء لأداء دور فاعل في دعم الاستقرار والامن بالمنطقة.
ثالثها: رغم احتلال امريكا للعراق منذ عام 2003 وحتى الان والاستيلاء على ثرواته وتدمير جيشه وآثاره وانهيار اقتصاده وعملته المالية فقد جاءت المفاجآت التي كشفها النائب البرلماني هيثم الجبوري لصحيفة المدى العراقية بأن الحكومة ابرمت مع الجانب الامريكي مئات الصفقات للاسلحة منذ عام 2005 وسدد العراق ثمنها نقداً لصندوق المبيعات العسكرية الاجنبية وان الاموال بلغت اكثر من اثني عشر ملياراً من الدولارات دون ان يتسلم العراق اي قطعة عسكرية وان هذه الاموال مودعة حالياً لدى الحكومة الامريكية وتستخدمها في استثماراتها الخاصة وأن العراق غير قادر على استعادة امواله رغم تأخر الجانب الامريكي في الوفاء بمواعيد تجهيز معدات الصفقات.
ومما سبق يتبين مدى التزام امريكا بتطبيق مصطلح التمييز الايجابي والسلبي في مواجهة الارهاب كما يلي:
أولاً: في الجانب الايجابي التنسيق عسكريا مع تركيا تجاه المنطقة حفاظا على امن وسلامة الاراضي التركية رغم عدم انضمامها لقوات التحالف الدولي ضد الارهاب.
ثانياً: في التوجه السلبي المشاركة مع دولة الامارات العربية في اطلاق موقع الكتروني لتصحيح المفاهيم الخاطئة.. والاستيلاء على اموال الصفقات العسكرية مع العراق منذ اكثر من عشر سنوات دون تسليمها قطعة سلاح واحدة.