لا أحب كلمة "اسطوري" في وصف الإنجازات العظيمة التي تقام علي أرضنا.. لأن "الاسطوري" يعني غير واقعي. أو غير حقيقي. خارق للعادة ولا يوجد إلا في الأساطير المتعلقة بالآلهة والأبطال الخرافيين.
وما يفعله المصريون منذ فجر التاريخ موجود. وقائم وواقعي وحقيقي ويمكن لمسه باليد ورؤيته بالعين المجردة بدءا من الأهرامات وأبوالهول وانتهاء بقناة السويس الجديدة التي تم إنجازها في عام واحد بأموال مصرية وأياد مصرية وتخطيط وتقسيم وتنفيذ مصري.
المصريون صنعوا مجدا حقيقيا.. صنعوه بعزم الرجال وقوة التحدي وبالإرادة وكسر القيود أيا كانت.. وهذه المعاني جسدتها في لحن وحركة وروح وثابة ورشاقة وخفة روح الأغنيات البديعة التي ألفها الشعراء وغناها الكبار والصغار والإناث والرجال في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة يوم الخميس الماضي.
والحفل لن أصفه بـ"الاسطوري" وإنما بالروعة بالجمال. بالإثارة في أكثر معانيها قوة وتألقا وبالبهجة. وبالعزم. وبالحب الغامر.
مصر تتحدث عن نفسها مجددا بهذا المشروع وتعلن عن حجم قوتها من خلال مؤسستها العسكرية ورجالها الأشداء الذين هزموا الإرهاب والإرهابيين وتجاهلوا ممارسته وأداروا للجرائم التي مازالوا يخططون لها ظهورهم وركزوا في البناء.. وبالبناء وحده كانت إجابة القائد علي جحافل الشر. وبالغناء في الحفل العالمي في حضرة قادة ورؤساء عرب وأجانب جاء الرد علي الإرهاب بالسلام المنغم بالأمل وروح التفاؤل وبالعمل الذي تجسد في صور السفن العملاقة التي تعبر القناة الجديدة. هدية مصر إلي العالم.
حفل الافتتاح كان تجسيدا واقعيا. حقيقيا لقدرة الشعب المصري علي التحدي.. علي التشييد رغم محاولات التخريب علي الإبداع أمام الهدم علي إشاعة الضوء ونشر نور النهار ضد الظلام والشرور والجهل والعداء المروع للإنسانية وللأديان ولكل أشكال الحياة الإيجابية.
قناة السويس الجديدة وإنجازها في زمن قياسي غير مسبوق ليس من قبيل الأساطير.. وإنما دليل علي بداية مسيرة العمل الثوري بعزيمة الرجال أبناء مصر في الجيش والشرطة وفي مجالات الهندسة والإدارة ونظم المعلومات وعلوم البحار وفنون إدارة المشروعات الكبري أنه عمل يكون في خدمة الإنسانية وفي صالح البشر جميعا.
مجاميع الأطفال الذين أطربوا المصريين بأغانيهم الجميلة والمؤثرة في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة دليل آخر علي فن "صناعة البشر" علي بناء الإنسان من العدم. ومن الضياع بعض هؤلاء الأطفال ممن كنا نصفهم "بأطفال الشوارع" ولكن بالرعاية وبالمحبة وبالعلم والتعلم صاروا براعم حية في حقل الموسيقي بفضل "عزم الرجال" وبفعل الإرادة السياسية تحولوا إلي "قوة معنوية وفنية دافعة".
وفر للمصريين الأمل يأتوك أفواجا مبدعة يركبون الصعاب. يتحدون حرارة الشمس وفرقعات الإرهاب. وتهديدات أعتي القوي.
ووفر لهم الأمان والحنان والرزق الحلال والاطمئنان علي مقدرات حياتهم يزرعون الصحاري ويهدون الجبال وينزعون الألغام والأشواك ويفجرون ينابيع الخير في كل مكان.
وفر لهم القدوة والرئيس المخلص. وقائدا منهم ولهم يعرف أوجاعهم وما يتوقون لبلادهم وأنت تجدهم يصطادون نجوم السماء ويأتونك بالقمر.
هذه المعاني كلها ستجدها في تفاصيل الصورة البانورامية العظيمة المليئة بالتفاصيل والدروس والألوان والطبيعة الخلابة للمكان فضلا عن شحنات المشاعر وقصائد الشعر وسيمفونية الألحان وملاحم العبور من العوز إلي الاكتفاء الذاتي. ومن التهديد بالظلام الدامس إلي أنوار الشروق وفجر يوم جديد.
ما جري ليس "اسطورياً" وإنما حقيقي وملموس وبفضل "عزم الرجال" انتهينا من فصل في ملحمة البناء إلي فصول تأتي حالا.