الجمهورية
اللواء د. محسن الفحام
إعجاز .. وليس إنجاز
كل من قام بزيارة الموقع الذي تم فيه البدء في حفر قناة السويس بحلول 5 أغسطس 2014 لم يكن يتوقع أن يشهد ما حدث بعد مرور عام واحد فقط حيث تم افتتاح تلك القناة في احتفالية مبهرة لم تخل من مشاهد ودروس يجب أن نتوقف عندها.. ثم نعتبرها نقطة انطلاق لمستقبل مزدهر نسعي جميعا إلي تحقيقه ينعم فيه هذا الوطن وهذا الشعب الأمان والاستقرار والرخاء.
إن ما حدث خلال هذا العام هو بكل المقاييس إعجاز.. وهنا يجب أن نوضح الفارق بين الإعجاز والإنجاز.. فالأول يعني ببساطة تحقيق أمر خارق للطبيعة مقرونا بالتحديات.. والثاني يعني إتمام أداء العمل المكلف به بإتقان وتميز.. وإذا اعتبرنا أن المفهوم الثاني قد تحقق بافتتاح القناة.. فإنني أدافع عن وجهة نظري بأن ما حدث يعتبر إعجازا وذلك إذا ما نظرنا إلي التحديات التي واجهت تنفيذ هذا المشروع ومنها علي سبيل المثال لا الحصر:
الجرأة في اتخاذ هذا القرار علي ضوء عدم استقرار الأوضاع الداخلية التي تمر بها البلاد وقصر المدة الزمنية علي عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام.
عدم وجود التمويل اللازم لتنفيذ هذا المشروع العملاق.
تصاعد حملات التشكيك في أهمية المشروع وتأليب الرأي العام ضده.
تزايد العمليات الإرهابية التي تستهدف المدن المتاخمة للقناة مثل العريش والشيخ زويد والسويس.
التحركات المسعورة لجماعة الإخوان الإرهابية لتحريك المجتمع الغربي ضد مصر.. بل والدعوة إلي عدم إرسال المعدات اللازمة لحفر القناة لدرجة أن إسرائيل نفسها وبتمويل من قطر كانت تحاول التعاقد مع بعض تلك الشركات لتعطيل تنفيذ المشروع.
قيام بعض الإعلاميين المأجورين بالتشكيك في جدية وأهمية المشروع لدرجة أن أحدهم أعرب عن تخوفه من فقدان تلك المدخرات التي سددها المصريون الشرفاء لتمويل المشروع.. وعندما شعر باقتراب ساعة الحسم والنجاح سارع بالتوجه إلي موقع القناة الجديدة وقام بتصوير نفسه هناك مع بعض العاملين بها في محاولة ممجوجة ومكشوفة لتحسين صورته.. وهنا أشكر المسئولين عن تنظيم الحفل في عدم توجيه الدعوة لهذا الشخص ولأمثاله من ذوي النفوس المريضة.
ورغم كل هذا فقد استطاعت مصر بسواعد رجالها ومساهمة شعبها وتحت حماية جيشها وشرطتها تحقيق هذا الحلم وتحوله إلي واقع ملموس عشناه وعشنا معه أياما من أسعد الأيام التي مرت بوطننا الحبيب منذ ثورة يونيو ..2013 وأصبح من حقنا أن نباهي بهذا الإعجاز أمام العالم أجمع ليتأكد لهم أن هذا الشعب إذا أراد شيئا فلابد أن يستجيب له القدر.
وهنا أتذكر ما قالته هيلاري كلينتون عن شعب مصر في مذكراتها انه بعد الاتفاق مع الإخوان المسلمين علي إعلان الدولة الإسلامية في سيناء وإعطاء جزء منها إلي حماس وضم حلايب وشلاتين للسودان وفتح الحدود مع ليبيا من ناحية السلوم.. تحطم كل هذا التخطيط فجأة دون سابق إنذار نتيجة قيام شعب مصر وجيشها بالثورة علي حكم الإخوان وإسقاطهم وإفساد مخططاتهم بعدما كانت مصر قاب قوسين أو أدني للتقسيم والانطلاق منها إلي دول الخليج العربي.
حتي يخت المحروسة الذي تم بناؤه عام 1865 في انجلترا من قبل أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية نفسها شكل أو مضمون في المجتمع الدولي تم إعادة تهيئته في أقل من عشرة أشهر ليكون مفتاح العبور الأول لقناة السويس الجديدة بعد أكثر من مائة وخمسين عاما علي بنائه في منظومة هندسية وجمالية وميكانيكية شارك فيها رجال القوات البحرية ليعيدوا له بهاءه وشموخه أمام العالم.
نحن شعب يا سادة لنا تاريخ.. نعرف كيف نصونه ونحترمه.. ولكن إذا أردنا ذلك.. ويا ليت شبابنا يعي تلك العبارة جيدا ويعلم أن تاريخنا وحضارتنا ومستقبلنا أمانة في أيدي هذا الشباب.. أتمني أن يحترموه ويحافظوا عليه.
وبطبيعة الحال لن أخوض في تفاصيل هذا الحلم.. بل هذا الواقع الذي عايشناه علي مدي عام كامل.. ولا هذا الحشد والاحترام الدولي الذي شاركنا في تلك الاحتفالية.. ولا في حبنا الذي يتزايد يوميا لهذا البطل القائد الواعد بمستقبل مشرق لنا.. ولكنني سوف أطرح تساؤلا مهما وهو... وماذا بعد؟؟
أتمني أن تكون قناة السويس الجديدة رمزا وليس هدفا في حد ذاته لقوة دفع جبارة لتحقيق الآمال المعقودة علي أبناء هذا الوطن خلال المرحلة القادمة.
هناك مشروعات واعدة ننتظرها. هناك ثقة عادت إليها مرة أخري في قيادتنا.. هناك الوعي الوطني الذِي نريد أن يعود لهذا الشعب ليتعاون مع أجهزته الأمنية للقضاء علي فلول الإرهاب وقوي الظلام.
تحية لمتخذ القرار ولكل من ساهم في تنفيذه من أبناء هذا الشعب الوفي العاشق لوطنه.. وتحيا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف