المساء
مؤمن الهباء
ضد المرأة
فاجأتني الفتاة بحدتها غير المعهودة.. قالت: أنتم تكتبون عن مثاليات غير واقعية.. وتتحدثون عن مجتمع آخر غير المجتمع المصري الذي يمارس أسوأ ألوان التمييز ضد المرأة.. ولا تنظرون إلي مشاكل الطبقات المطحونة التي تعيش في الظل.. وبالذات المرأة والشابة والفتاة التي تعاني من الظلم والتمييز.
* كيف يابنتي؟!
- أنا خريجة فنون تطبيقية بتقدير عال.. ومنذ 7 سنوات وأنا أبحث عن عمل لكنني أصدم دائماً بمن يقول لي: نحن نريد شباناً.. وفي إحدي المرات تقدمت أنا وزميل لي في نفس الدفعة إلي مسابقة.. وكان تقديري أعلي من تقديره.. ووافقت علي كل الشروط المطلوبة.. ومع ذلك أخذوه ورفضوني فقط لأني "أنثي".
أعرف أن الدستور والقانون يرفضان التمييز بين المواطنين المصريين.. وبين الرجل والمرأة.. وأعرف أنكم تكتبون في الصحف اعتراضاً علي أي تمييز ضد المرأة.. لكن ما هي النتيجة علي الأرض.. الواقع شيء آخر.. الواقع كله تمييز فج يقتلنا من الداخل.. ويقهر فينا كل المشاعر الجميلة.
معقول هذا يحدث في بلدنا.. أي مطربة إذا أرادت أن تشتهر وتنتشر وتنجح تأتي إلي مصر.. وأي راقصة إذا أرادت أن تشتهر وتنتشر وتنجح تأتي إلي مصر.. أما إذا أرادت أية فتاة مصرية مؤهلة أن تعمل بجد وتنجح فإن عليها أن تبحث عن فرصة خارج مصر.
وبسبب هذا التمييز والظلم شكلنا مجموعة من زميلاتي الخريجات اللاتي يقبعن في بيوتهن بلا عمل منذ أكثر من 7 سنوات.. وذهبنا إلي الكلية التي تخرجنا فيها وقابلنا الأساتذة هناك.. وذهبنا إلي النقابة التي ننتمي إليها لنعرض مشكلتنا ونبحث عمن يساعدنا.. وللأسف حتي الآن لم نجد حلاً.
* قلت: لكن التمييز لا يقف عندكن.. فهناك أماكن لا تقبل غير الفتيات.. وهناك أماكن لا تقبل كل الفتيات.. وانما تضع اشتراطات خاصة من حيث الشكل والهيئة والملبس.. وقد قابلت كثيراً من الشبان يشكون من التمييز ضدهم.. ويشعرون أنهم بضاعة "بائرة" في وطنهم.
- قالت: هذا حقيقي.. هناك وظائف ومهام تحتاج فقط إلي رجال بمواصفات معينة.. وهناك وظائف ومهام تحتاج فقط إلي نساء وفتيات بمواصفات معينة.. لكن ماذا لو كانت الوظيفة تعتمد علي العلم والمهارة والموهبة والإبداع والقدرات العقلية.. وهذه أمور لا فرق فيها بين ذكر وأنثي.. ثم يجري رفض الفتاة فقط لأنها "أنثي".. هذا هو التمييز الممقوت ضد المرأة الذي يجب أن يقف المجتمع كله في وجهه.
* قلت: ليست خريجات الفنون التطبيقية اللاتي يمارس ضدهن التمييز.. أعرف خريجات اقتصاد وعلوم سياسية لا يجدن عملاً منذ سنوات طوال.. وأعرف خريجات كليات هندسة.. وخريجين أيضاً.. فالتمييز لا يقتصر عليكن.. هناك تمييز ضد الطبقات الفقيرة.. هل تذكرين الضجة التي أثيرت حول منع دخول أبناء الزبالين إلي سلك القضاء؟!.. وهل تذكرين قصة الشاب الذي انتحر في النيل بعد حرمانه من دخول السلك الدبلوماسي رغم تفوقه.. وقد منعوه فقط لأنه غير لائق اجتماعياً؟!.. وهل تذكرين قضية الشبان الـ 18 الذين حرموا من العمل بالنيابة رغم اجتيازهم الامتحانات بنجاح فقط لأنهم ليسوا من أبناء المحظوظين في هذا البلد؟!.. وهل تذكرين التمييز الممقوت بين الطلاب الذي يسمح لأبناء القادرين مادياً بدخول كليات القمة بمجموع أقل فقط لأنه يملك المال والتمييز الممقوت بين المرضي الذي يسمح بتقديم أرقي وأغلي علاج لمريض لأنه فقط يملك المال بينما يعاني مريض مثله من الإهمال والتلوث لأنه لا يملك الثروة التي ينفق منها؟!
- قالت بحسرة: عفواً.. كنت أظن أننا فقط المظلومون في هذا البلد.. وأن قضيتنا وحدها يجب أن تشغل الناس جميعاً.. لكن يبدو أننا جميعاً مظلومون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف