المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. بث مباشر من جهنم
حين تطالع هذا العنوان الغريب "بث مباشر من جهنم" الذي اختاره الزميل الصحفي تامر أبوعرب لكتابه الصادر حديثا تتصور علي الفور أنه سوف يتحدث إليك من شوارع مصر وحواريها التي تحولت إلي جهنم حقيقي تشوي الأبدان بفعل درجات الحرارة التي لم يسبق لها مثيل.. وأنه سوف يبث إليك أخبار الضحايا والمصابين والحرائق والخسائر التي لحقت بالمصريين في هذا الجو الخانق.
لكنك سرعان ما تكتشف أن تامر يحدثك عن جهنم أخري.. جهنم الواقع الحالي في الإعلام والسياسة.. حيث أصبح الإعلام منحازا لطرف دون بقية الأطراف.. وصار يتحدث بصوت واحد.. ثم يشير إليك بشكل واضح وصريح بأن من الضروري أن يكون الإعلام علي يسار السلطة.. وأن يكون موضوعيا قدر الإمكان.
لكن.. لماذا اخترت "جهنم" يا تامر؟!
يقول: "جهنم تعبر عن أحوال الإعلام الحالي الذي من الصعب الخلاص منه في وقت قريب.. والكتاب محاولة لأن يقوم الجمهور بمعاقبة هذا الإعلام أحادي الاتجاه عبر مقاطعته أو الاستياء منه.. ليس في مصلحة السلطة - أي سلطة - أن يكون الإعلام بوقا لها.. نحن نريد أن يقوم الإعلام بدوره الحقيقي وأن يكون سلطة رابعة.
وفي العموم فإن "بث مباشر من جهنم" هو الجزء الثاني من كتابه "أيام الكذب والدم" الذي يعتبره أهم أعماله لأنه يوثق لفترة سياسية مهمة منذ ثورة 25 يناير.
شكرا لك يا تامر أبوعرب علي كتابك الأول والثاني.. ولكن دعني أحدثك عن جهنم الحمراء التي نعيشها.. والتي لا تختلف كثيرا عن جهنم الإعلام وألاعيبه وأكاذيبه.
تصور.. الأرصاد الجوية تقول عبر الصحف والفضائيات أن درجة الحرارة 39 درجة مئوية.. بينما الشاشة العملاقة بميدان مصطفي محمود في المهندسين تسجل 44 درجة.. وكذلك موقع الـ "بي. بي. سي" علي شبكة الإنترنت.. حتي الأرصاد تتحرج من أن تقول الحقيقة.. وتفضل الكذب!!
عناوين الصحف بالبنط العريض أمامي تقول إنه لا عودة لتخفيف الأحمال ولا انقطاع للتيار الكهربائي طوال الصيف.. ولا حاجة إلي ترشيد الاستهلاك.. ذلك وعد وعهد لا رجعة فيه من وزير الكهرباء والتزام سيادي.. لأننا - وبحمد الله - صار لدينا فائض تقديري في إنتاج الكهرباء 2200 ميجاوات.. وأصبحنا قادرين علي سد احتياجات الأشقاء.. وليس احتياجاتنا فقط.
لكن.. يا فرحة ما تمت.. قبل أن أنتهي من قراءة هذه العناوين المبهجة المتفائلة انقطع التيار.. ليس مرة واحدة بل مرتين.. لا يفصل بينهما أكثر من ساعتين.. بينما جاءت أخبار انقطاع الكهرباء في قريتنا بالقليوبية أدهي وأمر.. فلماذا يكذبون علينا بهذا الشكل الفج؟!
ورغم انقطاع التيار.. وعذاب الحر.. ونار جهنم.. فمازلنا ننتظر الأسوأ.. والأسوأ هو فاتورة يوليو التي تأخرت كثيرا حتي يتم تحميلها بالزيادات.. ومن لم يمت بالحر مات بالفاتورة.. وبالسكتة القلبية من مفاجآتها.
وبمناسبة الذين ماتوا من الحر.. والذين وصل عددهم حتي أمس الأول أكثر من 40 شخصا ووصل عدد المصابين ضعف هذا الرقم.. هؤلاء بعضهم مات بضربة شمس وهو يسير في الشارع.. والبعض الآخر مات وهو يؤدي عمله.. وهم جميعا شهداء نسأل الله أن يتغمدهم برحمته.. لكن ماذا تقول في مرضي مستشفي الصحة النفسية بالخانكة الذين قيل إنهم لقوا مصرعهم بسبب الموجة الحارة؟!.. من الذي سمح لهؤلاء بالخروج من عنابرهم والتعرض للشمس في هذا الجو القاتل؟!.. من المسئول عن وفاتهم وعن صدور تقرير يؤكد أن الوفاة طبيعية؟!
هذا كلام لا يصدق.. وباطل لا يرضيك يا رب العالمين.
ثم.. ماذا نفعل لكي نتجنب جهنم هذه؟!
تنصحنا وزارة الصحة - الله يكرمها - بأن نستحم يوميا ونكثر من شرب السوائل ونرتدي الملابس الفضفاضة الواسعة ذات الألوان الفاتحة.. خاصة القطنية.. وأن نرتاح في أماكن جيدة التهوية وظليلة.
شكرا.. دي وصفة هايلة فعلا!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف