الأهرام
نبيل عمر
من كاتب مصرى إلى الخارجية الأمريكية
من يقرأ تصريحات «جنيفر ساكى» المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية يفطس من الضحك، وتأخذه الظنون بعيدا، فالخارجية الأمريكية تبدو كما لو كانت مصابة بـ «انفصام عضال» فى الشخصية،
فالسيدة جنيفر قالت كلاما متناقضا يصعب هضمه بسهولة، وكنت أظن أن الخارجية الأمريكية تملك قدرا من التعليم والفهم يغنيها عن السقوط فى هذا التناقض المخجل، فالسيدة « الخارجية» تعلن أن الولايات المتحدة تدعم جهود مصر فى مكافحة الإرهاب، وأنها سلمت مصر طائرات أباتشى فى الفترة الأخيرة، وبالطبع هذا موقف طيب، لكنها اعترفت فى نفس التصريحات بأن الخارجية الأمريكية فتحت أحضانها واستقبلت وفدا من البرلمانيين المصريين السابقين، من بينهم أعضاء فى حزب حرية والعدالة، وهذا الوفد لا يمثل جماعة الأخوان، وكأن العمليات الإرهابية فى سيناء وداخل الوادى بعيدة تماما عن الجماعة، وتفعلها كائنات فضائية من أجل « عودة الشرعية الأخوانية» من باب التعاون بين الكواكب!!
قد لا تعترف الخارجية الأمريكية بأن الكذب العلنى خطيئة، لكنه بالقطع وقاحة، فالمصريون عندهم مثل شهير يقول « إذا بليتم فاستتروا»، وإذا انكشف المستور فلا مساحة للكذب، فكيف لا يمثل هؤلاء البرلمانيون السابقون جماعة الإخوان، وهم أعضاء فى حزب الحرية والعدالة، هل لا تعرف الخارجية الأمريكية أن الجماعة هى صاحبة الحزب، أو أن أجهزة معلوماتها فى القاهرة غبية أو كذبت عليها وادعت أن أعضاء حزب الحرية والعدالة يمثلون «التيارات الديمقراطية الحديثة» فى المجتمع المصرى، ولهم تاريخ مسطور فى الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ولم يمارسوا قط العمل السرى! وإذا تغابينا وعملنا أنفسنا «مصدقين» أليس من حقنا أن نسأل: هل البرلمانيون المصريون السابقون لهم أى حيثية سياسية من أى نوع، وخاصة أن البرلمان الذى كانوا أعضاء فيه قد حلته المحكمة الدستورية العليا بسبب عوار فى قانونه الانتخابى؟!، وإن هذا البرلمان السابق نفسه انعدم كيانه القانونى لمدة عام كامل قبل إسقاط الشعب المصرى لجماعة الإخوان عن الحكم؟ وهل من عادة الولايات المتحدة وخارجيتها تنظيم لقاءات مع وفود برلمانيين سابقين من بلاد العالم؟، وكم مرة حدث هذا؟!، وأصلا من الذى وصف هؤلاء الأعضاء بأنهم «وفد» وكيف تشكل؟

والأهم ما هو نوع الحوار الذى يمكن أن يجرى بين مسئولين حاليين فى واشنطن وأعضاء سابقين فى برلمان مصرى حلته المحكمة الدستورية قبل 30 شهرا تقريبا، انقطعت خلالها صلة هؤلاء الأعضاء بدوائرهم الانتخابية وأى دور سياسى لهم، وبعضهم هارب إلى خارج مصر من ملاحقات قضائية ولا يجرؤ على القدوم إليها؟! ما هو نوع الأعراف الدبلوماسية التى تتبعها الخارجية الأمريكية وتتيح لها مثل هذا التصرف مع دولة ليست فى حالة حرب معها ولا حتى فى عداء معلن، وتخرج كل التصريحات من واشنطن والقاهرة بأن العلاقة بينهما استراتيجية؟

وكانت السيدة الخارجية « ساكى قد خرجت فى موجزها الصحفى يوم الخميس، وهو اليوم الأسود الذى وقعت فية العملية الإرهابية الدامية فى سيناء، واصفة لقاء أعضاء الجماعة بأنه «مجاملة»، ولم يكن للنقاش والتفاوض.

ومن باب الأدب أيضا سنصدقها، لكن نسألها: لماذا تجامل الخارجية الأمريكية جماعة الأخوان؟، وما هو نوع العلاقات والمصالح التى تربط بينهما وتجبر الخارجية الأمريكية بجلالة قدرها، بالرغم من مشاغلها الكثيرة فى عالم مضطرب، على تخصيص وقت لتجامل الجماعة حتى لا « تزعل» منها الجماعة وقد «تاخد» على خاطرها؟!، ولماذا أصلا تجامل الولايات المتحدة جماعة وحزبا لا وجود قانونيا لهما فى بلادهما؟، هل مثلا قابلت الخارجية الأمريكية أعضاء فى الـ « شين فين» الأيرلندية، وكان له جناح سياسى غير الجناح العسكري؟، هل قابلت أعضاء فى حركة «نمور التاميل» الاستقلالية فى جنوب شرق آسيا؟!

لكن الأخيب أو الأسخف من تفسير أسباب اللقاء هو تنظيمه نفسه، ووجهت فيه الخارجية الأمريكية رسالة خفية داخله، إذ قالت ساكى فى اليوم المشئوم: إن جامعة جورج تاون هى التى نظمت اللقاء، وأن الوفد له أجندة واسعة واشنطن، أى تقول لنا إن الإدارة الأمريكية على علم تام بهذه الأجندة التى لن تبوح لنا بتفاصيلها!

ونحن بدورنا نسألها: هل هى أجندة مجاملات أيضا؟

بالطبع لا، وهذا ما فسرته صحيفة «واشنطن فرى بيكون» بقولها على لسان إريك تراجر الباحث فى معهد دراسات الشرق الأدنى إن وزارة الخارجية مهتمة بالحفاظ على الحوار مع الأخوان، على افتراض أن السياسة المصرية لا يمكن التنبؤ بها، وأن الجماعة لا يزال لديها بعض الدعم فى البلاد!

وهى أيضا إجابة ملتوية، فالحزب الوطنى الحاكم سابقا فى مصر مايزال لديه بعض الدعم فى مصر فهل تقابله الخارجية الأمريكية وتنظم له جامعة جورج تاون أجندة واسعة؟! باختصار، نود أن نقول للإدارة الأمريكية، إن المصريين العاديين لا يعنيهم مستوى العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة ومصر، ولا ينخدعون فى أى توصيف لها،ولكنهم يدركون أن ما تفعله هذه الإدارة هو «حالة عداء» معهم، وإذا كانت الإدارة لا تعرف ماذا حدث بالضبط فى 30 يونيو؟، أو تصفه على غير حقيقته عمدا، فهذا مقصود لأسباب خاصة بها، لأن سفراءها يعرفون مصر جيدا ويتعاملون مع الشعب المصرى مباشرة، وبعضهم جلس فى الحسين كثيرا وزار مولد السيد البدوى وأكل الفطير المشلتت فى طنطا، وحاور الناس فى الشوارع، ولهم مكتب مخابرات قوى فى القاهرة، والمعلومات متاحة وسهلة، لكنهم مصرون على «العداوة» مع بقية الشعب المصرى مجاملة للإخوان، وهم أحرار، ونحن فقط نذكرهم بالسؤال الذى كان دائماً يطرحونه علينا: لماذا تتظاهرون ضدنا وتحرقون أعلامنا أحيانا؟! أتصور أنكم تعرفون الأسباب جيدا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف