الجمهورية
صلاح الحفناوى
رجع الصدي .. والعيب فينا "2"
هذا هو نشيدنا القومي الجديد: مصر قبل افتتاح قناة السويس الجديدة غير مصر قبله.. يجب ان نستثمر روح القناة لننطلق علي طريق المزيد والمزيد من الانجازات.. الشعب الذي صنع المعجزة قادر علي صنع معجزات غيرها بالارادة والعمل والتفاني.. هذا قليل من شعارات وعبارات مليئة بجماليات الصياغة وبديع النظم والأداء.. شعارات ترددت علي مدار الساعة في جميع الفضائيات والأرضيات.. ولكنها عبارات خالية من اي معني مجردة عن اي مضمون.. هي لا تختلف كثيرا عن الاعتقاد بأن استخدام الأدعية الدينية والآيات القرآنية كرنات للهواتف المحمولة يدخل أصحابها الجنة.
أخطر ما نواجهه قبل انجاز القناة وبعده هو بعد المسافة بين القول والفعل.. بين الشعارات والسلوك.. نحن نملك قدرة فائقة علي صنع انجازات غير مسبوقة من حروف واصوات.. ونملك نفس القدرة علي استهلاك الوقت فيما لا طائل من ورائه.. نتحدث عن احلام رائعة وخطط لو نفذت لتحولت حياتنا الي نعيم مقيم ثم لا نفعل شيئا.. لماذا لا نعترف بأن انجاز القناة الجديدة في زمن قياسي وبأداء غير مسبوق وإبداع هندسي شهد به العالم كان وراءه انضباط عسكري صارم.. رجال تعاملوا مع الموقف باعتباره معركة بقاء.. حرب حقيقية ضد سنوات طويلة من التخلف والتراجع وعدو اصبح خطره يفوق خطر الارهاب: تدني الانتاجية وقلة العمل والكسل الوظيفي والتراخي في جميع مواقع العمل.
الانضباط العسكري هو الحل.. لو سألنا اي رجل في الشارع هل كان انجاز قناة السويس الجديدة في عام واحد وبهذه الدقة يمكن ان يتحقق لو تركنا الامر للمقاولين والشركات المدنية دون اشراف ومشاركة مباشرة من القوات المسلحة.. ربما لا تزيد اجابته علي ضحكة ساخرة مستنكرة.. نحن الدولة الوحيدة في العالم التي يسهر شعبها حتي الصباح علي المقاهي وفي المحال التجارية والمطاعم والشوارع ثم يذهبون الي اعمالهم وهم أنصاف نيام.. نحن الدولة الوحيد في العالم التي تشهد فترات ذروة مرورية تختنق فيها الشوارع وتعلو أصوات الات تنبيه السيارات بلا توقف في الثانية او الثالثة بعد منتصف الليل.
النائمون لا ينتجون.. المرهقون من السهر اليومي الطويل لا يعملون.. الاحصاءات والدراسات تؤكد ان الموظف المصري هو الاقل انتاجية في العالم.. وما لم تذكره الاحصاءات هو ان المهني والحرفي اقل انتاجية من نظيره في اي مكان في العالم رغم انه الاعلي مهارة والاكثر خبرة.
قبل أيام التقيت مصادفة بعاصم.. فني تبريد يملك محلا للصيانة في مصر الجديدة.. وعلي مدي نصف ساعة لم يتوقف عن الشكوي.. ¢الحال واقف والشغل منعدم والدخل شحيح والعيال لا ترحم والمصاريف نار¢ الي اخر الاسطوانة المشروخة التي يبدو أن معظم الحرفيين أصبحوا يستخدمونها ببراعة.. بالطبع اشفقت عليه.. ولاول مرة اشعر بالسعادة عندما تعطلت ثلاجة البيت الوحيدة باعتبار ان أصلاحها سيخفف ولو قليلا من محنة عاصم المشتكي.. اتصلت به فأخبرني انه لا يعمل يوم الجمعة لانه اجازة.. بدا الامر غريبا: شخص يشكو من اجازة اجبارية طوال الاسبوع يرفض العمل يوم الجمعة.. المهم وعدني بالحضور في تمام الساعة الواحدة ظهر اليوم التالي.. ومرت الواحدة والثانية والثالثة حتي الخامسة ولم يحضر ¢الباشا المشتكي¢.. وعندما اتصلت به بدا مندهشا لانني غاضب من تأخير عدة ساعات.. قال انه سيحضر بعد ساعة ولم يفعل وتكرر ذلك حتي الساعة العاشرة مساء قبل ان اطلب منه عدم الحضور.
عاصم يشكو الزمن وضيق الحال وقلة الخير.. وينسي مثل غيره انه يعيب زمانه والعيب فيه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف