تغني الشعراء كثيرا بالقمر.. وتفننوا في وصف جماله برومانسية مبالغ فيها قديما وحديثا.. وحتي بعد أن وصل الانسان إليه ونزل علي سطحه وأدرك حقيقته.. ظل القمر والنجوم والكواكب كائنات ساحرة ملهمة ومثيرة للخيال.. وقليل جدا من الشعراء من تحدث عن الشمس التي كانت ومازالت رمزا للوضوح والقوة والحياة.
أما الأرض فقد كان نصيبها عند الشعراء لا يكاد يذكر.. ربما لأننا نعيش عليها.. والانسان بطبيعته لا ينظر إلي ما تحت قدميه ولا ينشغل بما يدوسه بالقدم.. لكنه يتطلع دائما إلي البعيد.. وإن لم يطال هذا البعيد بيده طاله بخياله.. ومن ذكروا الأرض في أشعارهم تناولوها من جوانب خاصة جدا.. فالأرض عندنا مثلا "بتتكلم عربي".. أي متعلقة بالمنطقة الجغرافية المحدودة بالوطن العربي.. ولا أدري إن كانت الأرض في فرنسا "بتتكلم" فرنساوي أم لا.
ومؤخرا اكتشف العلماء كوكبا آخر له مواصفات الأرض.. ورجحوا بنسبة كبيرة أن تكون عليه حياة وأن يكون مسكونا بكائنات حية.. وربما يكون ضمن هذه الكائنات انسان عاقل وشعراء.. نظروا إلي الأرض من بعيد وتفننوا في وصفها.
وأمس الأول فاجأني صديقي الشاعر المبدع الدكتور عبدالحميد محمود عبر الهاتف بقصيدة عجيبة عن "الأرض".. عجيبة في صدقها وفي واقعيتها.. وعجيبة في توقيتها وفي المعاني التي تحملها والمشاعر التي تثيرها.. وفي الزاوية التي تنظر منها إلي الأرض.. لذلك أراها جديرة بأن تحتل اليوم هذه المساحة.
يقول د. عبدالحميد محمود:
الأرض جائعة
لأبدان البشر
ظمآنة لا ترتوي إلا إذا
سالت دماء كالنهر
من تربها تأتي حياة العالمين
في تربها تزوي حياة العالمين
الأرض وحش غاضب
مسعورة
فجبالها أنياب غول مستحيل
وبطونه هذي السهول
هي واحة للشر في كل العصور
جلست وأرخت ظهرها لوسادة الكون
الوسيع
منكوشة الغابات ساحرة عجوز
جلست لتنفخ في البخور عواصفا
تلهو بخلق بين أرجلها
فحينا بينها يتقاتلون
وبأمرها يتسامحون
وبسحرها في لحظة تلقي بهم
في قبرها لا يرجعون
الأرض تعرف أنها في موعد
ليست تكون
وبأنها كالخلق باقية لحين
هي مثل كل السائرين
في موكب الكون الحزين