الوطن
كمال الهلباوى
إسهال البيانات
قرأت مؤخراً مجموعة من البيانات التى تحمل اسم الإخوان المسلمين، أو ما يسمى شباب وطلاب ضد الانقلاب، والمجلس الثورى المصرى، والبرلمان المصرى وتحالف دعم الشرعية، وهى بيانات لا تحمل إلا معنى واحداً وهو إعلان الحرب على مصر، واستعداء العالم الخارجى عليها. كثير من تلك المنظمات والمؤسسات نشأ خارج مصر بعد ثورة 30 يونيو التى يرونها انقلاباً بالقراءة الخاطئة، وهى كيانات هشة.. كل تلك البيانات تحاول تنوير الشعب المصرى على زعم أن الثورة هى الخيار الاستراتيجى الوحيد لكسر الانقلاب، وإزاحة دولة فساد العسكر عن حكم مصر، كما جاء فى تلك البيانات. أصحاب هذه المؤسسات ومن يقفون وراءها ضللتهم القراءة الخاطئة للواقع من ناحيتين، أولاهما: حالة البلاد التى وقعت فيها الفوضى، وانتصر فيها الإرهابيون إلى حد ما، ولو سألت أحدهم «هل تريد مصر أن تكون مثل سوريا أو العراق أو اليمن أو الصومال أو ليبيا؟»، بعضهم بكل تأكيد سيتردد فى أن يقول نعم، إذن فما الذى تطلبون؟ التدمير باسم مواجهة الانقلاب. بعضهم بلا أدنى شك يريد التغيير فى مصر، مهما كان ضاراً، ولا يعنيه ذلك، ولا يعنيه حتى أن تقع مصر فى قبضة الاحتلال الأجنبى. وهم بذلك يستعينون بالخارج، ونظرة عاقلة من أحدهم تؤكد أنهم ليسوا أهل تغيير ولا إصلاح إنما التغيير منوط بالشعب، والشعب المصرى لم يعد يصدقهم فيما يقولون، حيث جربهم مع غيرهم من الإسلاميين فى الحكم سنة كاملة، حتى أولئك الذين يعيشون عيشة صعبة للغاية فى مصر مثل العشوائيات وسكان المقابر أو لهم مظالم مع الدولة، فإنهم لن يستجيبوا لهذه المطالبات الفجة ولا هذه المؤسسات الهامشية التى تبدو قوية أحياناً بسبب هلع الإعلام فى مصر منها.

سأذكَّر هؤلاء وهؤلاء بموقفهم، وموقف الشعب منهم يوم 28 نوفمبر 2014، عندما استجابوا لدعوة وبيان الجبهة السلفية، ذلك البيان الذى يدعو الشباب المسلم إلى ثورة المصاحف. فشل ذلك اليوم، وفشل الذين ساروا وراء هذه الدعوة والمتابعون فشلاً ذريعاً. وأى عاقل كان عليه أن يقرأ أولاً بيان الجبهة السلفية الذى يدعو الشباب المسلم إلى ثورة لا تبقى ولا تذر.. أى والله هكذا النص. أنا هنا فقط أذكر هؤلاء بما فعلوه من استجابة لصوت الدمار والتخريب، فتصدى لهم الأمن والشعب فخاب بإذن الله تعالى مسعاهم.

كنت قد قرأت ذلك البيان بدقة شديدة، وشعرت بالحزن على استخدام ألفاظ وتعبيرات تطلق فقط على «سقر». هى الوحيدة التى ورد فى حقها هذا الوصف، ولذلك فإن هذه الصفة ينبغى ألا تستخدم إلا يوم الآخرة. الكلام مثل «لا تبقى ولا تذر»، إذا تحقق لكم هذا فماذا سيتبقى لكم؟ ولا أدرى إذا قامت ثورة فعلاً بهذا الوصف -وهو أمر مستحيل- فلا أدرى أين يعيش القائمون على تلك الثورة المزعومة التى تأكل كل شىء، ولا تبقى شيئاً وراءها؟

كيف يستجيب عاقل لمثل هذه النداءات، فهى إما دعوات خادعة وإما دعوات غير معقولة ولا مقبولة، وربما يكون بعضها موجهاً من الداخل أو الخارج، ولكن تلك المؤسسات الجديدة فى خارج مصر قبلتها وظنت أن التغيير مقبل وواقع لا محالة.

التغيير المطلوب اليوم، هو منكم أنتم وليس من غيركم. أن تقرأوا الموقف والأوضاع قراءة صحيحة، خصوصاً أن مصر على باب الانتخابات البرلمانية التى تستكمل بها خارطة الطريق.

قراءة المشهد قراءة صحيحة، وتحليل الأحداث والوقائع بموضوعية، يوفران على الجميع الوقت الغالى، والمحاولات اليائسة، ويضع الإنسان هنالك يده على الجرح الحقيقى الذى يحتاج إلى العلاج. ومن ثم يأخذ التنامى السليم مجراه مهما طال أمده.

مصر اليوم على وجه الخصوص بحاجة إلى من يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وإلى من يحافظ على وحدتها واستقرارها، ومن يواجه الإرهاب والعمليات الإرهابية أياً كان حجمها مواجهة صحيحة. وفى ظنى أن القوى السياسية المدنية والحزبية السياسية لا تستطيع ذلك، وليس هناك أدنى شك فى أن القوات المسلحة وحدها اليوم بما لديها من قوة منظمة ومعرفة تامة بالأوضاع العامة فى الوطن، هى القادرة، بإذنه تعالى، على فعل ذلك من الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره ودحر الإرهاب.

والله الموفق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف