طارق عبد المطلب
سام 6 .. ورحل مصدّر السعادة.. أحمد سعد أبوزيد
اعتدت أن أتعامل مع الطيبين علي أنهم كنسمات الفجر.. تهب علي الدنيا فتنعش أرواحنا وتجلي همومنا. ثم سرعان ما تنساب من بيننا في لحظة مفاجئة.
وكنت كلما تعاملت مع احد من هؤلاء "الطيبين" أدرك في نفسي انه ممن يعيشون علي حافة الحياة.. يحييون لإسعاد غيرهم ..يتواجدون في الدنيا ليقضي الله بهم أمر كان مفعولا .. ومنذ طفولتي وانا مهموم بكل من رحل من الطيبيين من اصدقائي الذين رحلوا الواحد تلو الاخر. وتركوني أكابد حرقة الفراق. اسعد لحسن خواتيمهم واحزن لفراقهم. وانتظر لحظة الرحيل عسي ربي ان يجمعني بهم في يوم اللقاء.
هكذا ترسخ بداخلي أن "الطيبين يموتون أولا" .. ورغم علمي ان صديقي وأخي احمد سعد أبو زيد من نوادر الطيبين. وعلمي بمرضه الذي داهمه منذ سنوات قليلة بضعف في عضلة القلب. إلا إنني كنت اسأل الله أن يطيل في عمره لعدة أسباب .. أهمها انه يفيض بالحب والعطاء لكل من حوله لدرجة جعلته الوحيد بين أصدقائه القادر علي جمعهم ولم شملهم رغم اختلاف مناحيهم وآرائهم.. فقد عاش ولا يعرف الصدام أو الخصام. يغيث الملهوف ويفك كربة المكروب. وحين سافر إلي السعودية للعمل هناك كان دائم الود بنا يتصل فيطمئن علي الجميع.. ولما عاد منذ ثلاث سنوات وداهمه المرض بشكل مباغت. رفض الانصياع لأوامر الطبيب بالمكوث في البيت.. كان يحضر إلي الجريدة وهو مجهد. غير انه لم يكن يستسلم لذلك أبدا.. وكم آلمني عندما قال لي يوم الثلاثاء الماضي ونحن علي سلالم مترو الأنفاق : "تصدق انا جيت النهارده ومقدرتش اطلع السلم ده وكنت هرجع تاني.. بس قلت لازم اطلع عشان أشوفك .. أنت اللي طلعتني والله يا أخي " .. وحين قلت له أن حالته تستدعي الراحة وعدم الحضور وان أوراقه الطبية تشفع له في ذلك .. قال: لن اطعم أبنائي من راتب لا اعمل به.. لازم احلل لقمة عيشي ".. كان علي فطرته التي آتي بها من قرية ميت حواي بمركز السنطة في طنطا. وظل علي حاله إلي أن حانت لحظة الرحيل وتبسم للقدر في أحسن ختام لإنسان عاش لإسعاد غيره .. توقف قلبه الضعيف الذي اتسع حبا للجميع فغادرنا وهو صائم في يومه السادس "للأيام البيض" بعد ان صلي الجمعة.. رحل وتركني ابكي علي فراقه ويثبت ما ترسخ في ذهني منذ طفولتي.. أن الطيبين يموتون أولا.
إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا احمد لمحزونون
أسأل الله أن يتغمده برحمته ويرفع درجاته ويجزيه عنا وعمن أسعدهم خير الجزاء.. ويحفظ أبنائه وبناته وزوجته وذريته من كل مكروه وسوء. وجمعنا الله في ظله يوم لاظل إلا ظله.