المساء
مؤمن الهباء
التطبيع مع عبدالناصر
آخر محاولة خبيثة في إسرائيل لتشويه التاريخ المصري والضمير المصري أعلنت عن نفسها خلال اليومين الماضيين.. حيث تم إطلاق اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر علي ميدان جديد يجري إنشاؤه في مستوطنة ¢كفار متدا¢ في منطقة الجليل الأدني الشمالية.. وقالت صحيفة ¢يديعوت أحرونوت¢ الإسرائيلية إن المجلس المحلي صدق علي اقتراح بهذا الشأن تقدمت به كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ¢حداش¢ وهي حركة شيوعية تضم عربا ويهودا.. وذلك رغم اعتراضات حادة من سكان يهود وأعضاء بالحركة الإسلامية هناك.
ما يهمنا في الموضوع ذلك السعي الحثيث من جانب إسرائيل للاقتراب من اسم جمال عبدالناصر.. يريدون التطبيع مع هذا الاسم الكبير.. وإنهاء العداوة التاريخية معه ولو من جانب واحد.. مع أن العالم كله يعرف أن عبدالناصر سيظل عصيا علي التطبيع مع إسرائيل.. سواء أكان حيا يرزق أو وهو في قبره.
عبدالناصر رمز للصمود الوطني والقومي في مواجهة الصهيونية العالمية.. وفي مواجهة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الفلسطيني.. صحيح ان عبدالناصر هزم في حرب 1967 لكنه ظل مقاوما وصامدا.. لم يستسلم.. خسر حربا لكنه لم يخسر المعركة ولم يضعف أمام العدو.. كانت طائراتنا مضروبة علي الأرض وقواتنا المسلحة مبعثرة في سيناء.. لكن إصراره لم يفتر وعزيمته لم تنكسر.. وكان الشعب من ورائه يهتف ¢حنحارب - حنحارب¢.
سيظل عبدالناصر - حتي وهو إلي جوار ربه - أيقونة الضمير المصري الحي.. الرافض لإسرائيل.. وللظلم التاريخي الواقع علي الشعب الفلسطيني الشقيق.. كانت قضية فلسطين بالنسبة له هي قضية مصر... ولذلك لا يمكن أن تتصور في يوم من الأيام أن يسقط جدار التناقض التاريخي بين اسم عبدالناصر واسم إسرائيل.. ولن تنطلي ألاعيب المتآمرين والخونة الذين يريدون كسر عبدالناصر وهو في قبره بعد أن فشلوا في أن يكسروه وهو حي رغم الهزيمة القاسية.
لا يشرفنا أبدا أن يطلق اسم عبدالناصر علي ميدان أو شارع أو حارة في فلسطين وهي تحت الاحتلال الصهيوني.. ولا يشرفنا أبدا أن يسقط جدار العداوة الذي اسماه السادات تدليلا وتلطيفا الجدار النفسي علي اعتبار انه يري القضية الفلسطينية مختزلة في خانة الحب والكراهية بين العرب واليهود.. مع أنها قضية حق وباطل.. قضية أرض اغتصبت وشعب طرد من دياره لكي يسكنها شعب آخر جاء مهاجرا من شتي بقاع الأرض.
ولا يشرفنا أبدا أن يقول اليهود عن عبدالناصر إنه ¢زعيم شجاع وقوي¢.. وهو الذي أعاد الكرامة للشعب.. ولذلك نريد أن يتعلم ابناؤنا معني الاصالة والكرامة والنبل وأن يذكروه كزعيم ضحي بحياته من أجل العدالة.. هذا المدح الإسرائيلي لعبدالناصر مؤلم جدا للضمير المصري والعربي.. فما أسوأ أن يثني عليك العدو.. ويغريك ويطريك بكلام معسول لكي تضيع معالم الحقيقة.
اسرائيل تريد بشتي الطرق أن تتصالح مع التاريخ ومع الجغرافيا.. وهي مصالحة مستحيلة مهما بدأ علي السطح من انجازات حققتها وانتصارات سجلتها.. لكنها في الواقع ستظل منبوذة.. لأنها دولة ملفقة دخيلة.
تحاول أن تشتري التاريخ أو تغتصبه.. وتقهر الحاضر لينساق إليها.. وتصادر المستقبل.. ومع ذلك تشعر في داخلها بالهشاشة.. ويتملكها هاجس الدمار.. ولا تكاد تبرأ من فيروس التدمير الداخلي.
رحم الله عبدالناصر.. فقد كان زعيما وطنيا قوميا رغم كل أخطائه.. كان مخلصا لشعبه ولأمته.. قادرا علي إدراك أمن مصر القومي بصورته الحقيقية.. وظل قويا في مواجهة إسرائيل حتي آخر رمق في حياته.
فلا نامت أعين الجبناء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف