يوسف القعيد
حسين كامل بهاء الدين وأطفالنا
آخر كتاب قرأته له وكتبت عنه، كان عنوانه: رسالة من الزمن القادم. وهو حلم لقضية التعليم التي يمكن أن تعدنا لكي نكون جزءاً من الزمن القادم
عندما عندما دعاني الصديق القديم المتجدد الدكتور حسين البيلاوي، أمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية، لحضور ندوة المتحدث الرئيسي فيها هو الأستاذ الدكتور حسين كامل بهاء الدين. وموضوع الحديث: الاستثمار في الطفولة المبكرة. رحبت بشدة ونحيت جانباً كل ارتباطاتي وذهبت إلي المجلس العربي للطفولة والتنمية. والحمد لله أن مقره في مدينة نصر. ومع هذا كنت مستعداً لكي أستمع للدكتور حسين. حتي لو كان حديثه في مرسي مطروح.
الرجل قبل الموضوع. والدكتور حسين كامل بهاء الدين تولي وزارة التربية والتعليم من عام 1991 وحتي 2004. وربما كان من الوزراء القلائل الذين تولوا هذه الوزارة المهمة. وكان لديه مشروع يقوم علي وضع التعليم في سياقه العام كعمل من أعمال الوطنية المصرية. فضلاً عن لمسة خاصة تعود لطبيعة تكوينه الفكري واستعداده السياسي. وهو ما جعله يحاول تطهير التعليم من كل آفات التطرف والإرهاب.
لا يتصور أحد أن الكلام عن التعليم ترف. فلن يكون لهذه الأمة مستقبل إلا بالتعليم. والتعليم من اللحظة الأولي وحتي اللحظة الأخيرة في عمر الإنسان. وحسين كامل بهاء الدين لم ينظر أبداً للتعليم علي أنه دروس تُلقي ويتم استظهارها في المنزل. والامتحان فيها آخر العام من أجل الحصول علي شهادة دراسية. كان يعرف ويدرك أن التعليم هو اللبنة الأولي لإعداد مواطن حقيقي. لديه وعي يمكنه من مواجهة متغيرات العصر.
ومنذ أن وجدت علي سور الأزبكية للكتب القديمة كتابه المبكر: الأسلوب العلمي في العمل السياسي. وكان منشوراً سنة 1968. وكان عبارة عن محاضرات ألقاها في المعهد الاشتراكي. وأنا أعرف أنني أمام طبيب أطفال أكثر من ناجح. لكنه قبل كل هذا وبعده رجل دخل العمل العام من باب الممارسة السياسية التي تبتعد عن مجردات علم السياسة. وتقترب من حياة الناس.
آخر كتاب قرأته له وكتبت عنه، كان عنوانه: رسالة من الزمن القادم. وهو حلم لقضية التعليم التي يمكن أن تعدنا لكي نكون جزءاً من الزمن القادم. وعندما كتبت عنه تمنيت لو أن الكتاب عرف طريقه إلي مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي لكي يطلع عليه. ففي هذه الكتاب تصور كامل للعملية التعليمية كما يجب أن تكون. والتي يمكن أن تضمن لنا مستقبلاً يستحقه المصريون. فلا يكفي أن نباهي بماضٍ مشرق. لكن الأهم أن نبحث عن مستقبل أكثر إشراقاً.
لن أكتب طويلاً عن تجربته عندما كان وزيراً للتربية والتعليم. ويكفي اهتمامه بمكتبات المدارس. واختيار الكتب التي توضع فيها لتكون تحت استعارة الطلاب وهيئة التدريس. حيث شكَّل لجنة - لأول مرة في تاريخ الوزارة - من المثقفين لاختيار هذه الكتب. وهذه اللجنة أهملت. وفي سنة حكم الإخوان التعيسة ألغيت وكأنها لم تكن.
من الصعب تلخيص محاضرة. خصوصاً أن المحاضر لم يكن يلقي كلاماً كما تعودنا أن نستمع في المحاضرات. كانت أمامه شاشة كبيرة يعرض عليها الصور التي توضح ما يريد أن يقوله. والرسومات والبيانات والنسب المئوية. لكني أحاول الآن فقط العودة إلي أوراقي التي حرصت أن أدون عليها بعض ما سمعته. وإن كان أي تلخيص للمحاضرة هو خيانة لها ولا بد من قراءتها بدقة. وأتمني من الدكتور حسين البيلاوي أن ينشرها برسومها التوضيحية ونسبها المئوية. لكي تكون في متناول أكبر عدد من الناس. لأن رهان التعليم هو الرهان الذي يجب أن يسبق أي رهان آخر بحثاً عن مستقبل مصر.
تحدث عن الفترة العصيبة التي تمر بها مصر ومفترق الطرق الذي يتعين عليه أن تختار فيه كيف تخرج من نفق الإرهاب والفساد. وضرورة الإسراع بالعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. خصوصاً أننا لا نقول نحن علي أبواب القرن الحادي والعشرين. لكننا في العقد الثاني منه.
ونحن نستعد للعصر الجديد علينا أن نواجه التغير ومتطلباته. وأن ندرك القوة وتطورها. وأن قوة المعرفة هي قوة الألفية الثالثة والطريق إليها هو تنمية الطفولة المبكرة. وأن فوة المعرفة في الإنسان لا بد من تنميتها في الوقت المناسب. وقت وجود أكبر عدد من الخلايا العصبية والمفاصل. ووقت تفتح نوافذ فرص المعرفة وكيف ندعمها بمناخ وقيم التقدم.
قال الدكتور حسين كامل بهاء الدين أن التعليم المبكر هو أعظم الاستثمارت. فهو بالمنطق والعلم مشروع مصر القومي القادم. ونحن أولي بمثل هذا المشروع. فمصر من أوائل المجتمعات التي عرفت العلم والتعليم. والتي يجب أن تعتبر أن العلم مفتاحها السحري لكي تصبح جزءاً من العصر القادم.
إن تنمية الطفولة المبكرة دعامة الأمن القومي المصري. وبالتالي يجب أن تكون مشروع مصر القومي.