المساء
مؤمن الهباء
حكومة لا تتراجع!!
بكل حسم أعلنت الحكومة انها لن تتراجع عن قانون الخدمة المدنية ولا نية لديها لتعديل أو إلغاء أي بنود من القانون رغم الضجة الهائلة التي أثارها والاعتراضات الواسعة التي قوبل بها.. وأيضاً رغم نجاح بعض الهيئات والمصالح الحكومية النافذة والقادرة في الإفلات من قبضة هذا القانون وحصولها علي استثناء من الخضوع له وبالتالي فلن يطبق عليها.
من بقي تحت مظلة قانون الخدمة المدنية ـ أو تحت مقصلته ـ هم الموظفون المدنيون الذين لا ظهر لهم يحميهم من البطش.. بالضبط مثل قانون الحد الأقصي للأجور الذي خرجت من قيوده معظم القطاعات المستهدفة.. القطاعات التي يمكن أن يصل بعض العاملين فيها إلي الحد الذي وضعه القانون فتؤخذ منهم الزيادات لترد إلي ميزانية الدولة.. وبقيت في نطاق القانون القطاعات الحكومية التي لا يمكن أن يصل فيها إلي الحد الأقصي.. وبذلك فقد القانون وظيفته ومبرر وجوده وتم تفريغه من مضمونه.
تقول الحكومة ان قانون الخدمة المدنية يطبق مبدأ الثواب والعقاب وأن من يعمل لا يمكن أن يتساوي مع من لا يعمل والقانون يحقق معايير لربط انتاجية الموظف بحوافزه ومرتبه وترقياته.. أما الموظفون فيرون ان المعايير التي تتحدث عنها الحكومة مطاطة وغير جادة وان القانون جاء ليخصم من مرتباتهم وينتقص من مكتسباتهم وضماناتهم ويهدر حقوقهم المادية والمعنوية التي حصلوا عليها في زمن تتضاعف فيه الأسعار بشكل رهيب في كل شيء.
أما البنود الأكثر إثارة في القانون فهي تلك التي تجعل مستقبل الموظف مرهونا برضا رئيس العمل أو المدير وإلا فإن تقارير الكفاءة ستكون ضعيفة وربما تلاحقه التقارير الأمنية بأنه يمارس نشاطا سياسيا أثناء العمل.. الأمر الذي يكرس النفاق والمحسوبية ولا يحاربهما كما يزعم من وضعوا القانون.
وقد لاحظ الموظفون انكماشا في معدلات نمو دخولهم بعدما أخضعت العلاوات للضرائب وتوقف ضمها للمرتب.. كما لاحظوا تباطؤا في سنوات الترقي وركونا طويلا في الدرجة الواحدة.
وفي العموم فإننا لم نسمع صوتا واحدا محايدا يدافع عن القانون أو يؤيده أو حتي يعلن رضاه عن المواد التي استحدثها.. الحكومة وحدها هي التي تتصدي لكل من يعارض ويرفض لأنها هي التي وضعت القانون وهي التي تصر علي عدم التراجع.. أما الموظفون والنقابات والمهتمون بالشأن العام فإنهم يقفون بكل قوة ضد القانون وهو ما ينذر باتساع دائرة التصادم إذا لم يتدخل عقل راشد لنزع فتيل الأزمة.
ويعجب المرء من هذا التناقض الصارخ الذي يمارس علناً في سلوكيات الحكومة.. هناك من يتحدث عن العدالة الانتقالية وإنصاف الطبقة الوسطي والفقيرة من الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة.. ثم نفاجأ بقوانين وقرارات تضاعف من معاناة هؤلاء وتضع علي كاهلهم أضعاف أضعاف ما يعانون.
كيف يمكن أن يصدر قانون بمثل هذه الأهمية دون حوار مجتمعي موسع تكون الكلمة الأولي فيه لمن سيخضعون لمواده ويتضررون من تطبيقه عليهم أو يستفيدون منه؟! لماذا يجب أن تأتي القوانين دائما من فوق ويكون مسارها في اتجاه واحد.. خصوصا عندما يتعلق الأمر بالغلابة الذين لا ظهر لهم؟! هل يجب أن يظل موظف الحكومة مضغوطا تحت وطأة السلطة ووطأة لقمة العيش فلا يتحرر أبداً ولا يمتلك إرادته؟!
أليس ألف باء القانون ان الجميع يخضع له.. فإذا ما كثرت الاستثناءات وخرجت فئات مختلفة يفقد هذا القانون معناه ويكون من الأفضل إلغاؤه؟! ولماذا يصنع القانون من المدير ديكتاتوراً.. هل نحن في حاجة إلي مزيد من الديكتاتوريين؟!
الحكومة تقول انها لن تتراجع والمحافظ يقول انه لا يعمل عند الجمهور ولا يحصل علي مرتبه من أحد.. هل هذه عقول تصلح لبناء مستقبل أفضل؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف