خيرية البشلاوى
الصورة المشوهة للبطل الشعبي
البطل الشعبي نموذج فريد جَاد به الواقع في مراحل بعينها من التاريخ البشري. أو خرج من رحم الوجدان الجمعي والخيال الشعبي للناس تجسيداً لحلم مُفتقد يتوقون إلي تحقيقه. وغالباً ما يكون الحلم بالعدل والحرية.. وأهم ما يميز البطل الشعبي الشجاعة الفائقة والقوة في التصدي للظلم وفي حسم المعارك بين الأخيار والأشرار انتصاراً للحق.
وقد أعادت السينما في بلاد العالم المختلفة صناعة هؤلاء الأبطال الشعبيين في عشرات الأفلام السينمائية التي تحتوي علي النماذج التي أحبها الناس واحتفظوا بصورها وأحبوا خصالها علي طول امتداد التاريخ.
فالبطل الشعبي عادة ما يبدأ حياته كإنسان عادي ولكنه يتحول إلي شخص خارق للعادة بما يقوم به من أعمال مهمة وغير عادية. وعادة ما تكون هذه الأعمال كرد فعل للظلم الاجتماعي الواقع علي أغلب الناس. وأحياناً في مواجهة الكوارث الطبيعية. أو في معارك الذود عن الفقراء المضطهدين وضد القمع والفساد والكيانات القوية الراسخة.. كثير من هؤلاء الأبطال الشعبيين يعيشون خارج القانون بصورة أو أخري وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة أن البطل الشعبي يسعي إلي ذلك فقد يكون مضطراً أن يسرق من الأغنياء لحساب الفقراء "روبن هود ـ علي الزيبق" أو أن يتصدي للقوانين الظالمة لتحرير بني جلدته "سبارتاكوس" وجون براون الذي قاد ثورة العبيد في الجنوب الأمريكي. "وكلاميتي جين" المرأة المغوارة القوية التي واجهت ثقافة "الكاوبوي" في براري الغرب الأمريكي.
هناك أيضا جان دارك وصورتها المشهورة علي ظهر حواء والتي أصبحت "أيقونة" وقديسة شهيدة وبطلا قومياً في الوجدان الشعبي الفرنسي. و"إبراهام لينكولن" محرر العبيد وجيفارا. ومارجرجس. والشاطر حسن. وعنتر بن شداد والظاهر بيبرس إلخ.
وقد ساعدت السينما كثيراً في تعميق سيرة هؤلاء الأبطال. وقدمت صوراً عديدة لهم في العصور المختلفة. واختلفت ملامح الأبطال الشعبيين أو تم تعديلها وفقاً للمزاج السائد في زمن إنتاج الفيلم ووفقاً للثقافة الشعبية المسيطرة علي السواد الأعظم من الجمهور المستهلك للترفيه الشعبي الذي يمثل الفيلم مصدراً أساسياً له.. ولذلك فليس من المستغرب أن يصبح البطل الشعبي في مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي الثقافي في مصر شخصية مثل "عبده موته" وصورة محمد رمضان الممثل بملامحه التي تتماهي مع صورة البطل الضد.. فالبطل الشعبي في مرحلة قد يكون هو البلطجي الذي يعمل في تجارة المخدرات ولكنه في نفس الوقت يتيم وفاقد السند ويعيش داخل مجال يأكل فيه الكبير الصغير فيتخذ من السلاح والقوة الغاشمة وسيلة لتحقيق حلمه الفردي الخاص بالحماية. وعلي شاكلة "عبده موته" خرجت نماذج مشابهة علي الشاشة لأنها أصبحت تحقق أعلي الإيرادات.. فالبطل الشعبي الذي ابتدعه الخيال السينمائي في زماننا الآني خارج علي القانون حتي وهو "ضابط" يفترض أنه يحمي القانون.
والسينما أسهمت بقوة في صناعة أبطال شعبيين تتفق مع زائقة النسبة الأكبر من المصريين. وساهم التليفزيون عبر الدراما في تكريس صورة النموذج الحديث للبطل الشعبي. الذي ينتزع "العدل" بالذراع. ويدوس القانون بالحذاء. ويغازل مشاعر الناس العاديين والبسطاء بتحقيق أحلامهم في سحق الظلم والفقر باستخدام الساطور والجنزير والسلاح الآلي.
غاب عن السينما الأبطال الشعبيون الذين يتكئون علي شجاعة القوة. وقوة الأخلاق. ويشحذون الهمة ويمثلون قيم الحب والمقاومة بينما نحن الآن في أمس الحاجة إلي مثل هذا البطل الشعبي الذي ينتصر للحق. ويفتح آفاقاً رحبة للحلم بالعدل وبإمكانية تحقيقه. ويجسد أحلام الغالبية الساحقة من البسطاء والبؤساء والانتصار الحتمي علي الفساد الذي استشري بقوة أفقدت الناس الأمل في إمكانية التخلص منه.
فإذا كانت المؤسسات الإنتاجية غير قادرة علي إنتاج مثل هذه النماذج في أعمال ينجذب إليها الناس.. فعلي الأقل يمكن للقنوات المتخصصة والثقافية علي وجه خاص أن تقدم أفضل النماذج العربية وحتي والأجنبية وفق برنامج منتظم يملأ هذا الفراغ.