في الثالث عشر من أغسطس الجاري خرج «ريموند أوديرنو» رئيس أركان الجيش الأمريكي قبل أن تنتهي ولايته ليحذر من أن المصالحة في العراق أمر صعب المنال، معتبراً أن التقسيم ربما يكون هو الحل الوحيد لتسوية النزاع الطائفي الذي يمزق العراق، لقد تحدث هذا الدعي الموتور عن أمر يعلمه الجميع منذ أن غزا «بوش» الصغير العراق في 20 مارس 2003، فقد كان الغزو هو السبيل الذي خططت أمريكا عبره لتنفيذ أجندتها الرامية إلي إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يعزز مصالح أمريكا وحلفائها، والمعني بالحلفاء هنا إسرائيل بالطبع.
اعتمدت أمريكا للوصول إلي ذلك علي ترسيخ الطائفية لتكون الأداة التي تقود في النهاية إلي إثارة الفتنة المذهبية الاثنية العرقية، الأمر الذي يؤدي إلي شيوع الفوضي والاقتتال الداخلي بحيث يقود في نهاية المطاف إلي تقسيم الدولة إلي كانتونات، ولقد رتبت أمريكا السيناريو علي هذا النحو ومن ثم تم وضع تصور لتقسيم العراق إلي ثلاث دويلات: واحدة في الشمال لكردستان والثانية للسُنة بمحاذاة سوريا والثالثة للشيعة في الجنوب، وعلي نفس النسق رسمت أمريكا مخططها ليشمل دول المنطقة.
ولقد كشف عن ذلك في حينه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق «كولن باول» عندما صرح قائلاً: (دخلنا العراق لتكون منطلقاً لنا نحو دول المنطقة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يعزز مصالح أمريكا وحلفائها)، ومن ثم بادر بالتوجه إلي سوريا في مايو 2003 ليفرض عليها شروط إذعان من بينها فصم العلاقة مع إيران وحزب الله، وطرد قادة المقاومة الفلسطينية، غير أن سوريا المسكونة بمبدأ الندية لم تذعن ولم تخضع لشروط الدولة الأحادية القطبية، ولذلك تصيدتها أمريكا للنيل منها والتضييق عليها عبر فرض العقوبات وعبر ما أطلق عليه «قانون محاسبة سوريا» بذريعة أن سوريا غير جادة في الحرب العالمية علي الإرهاب، أي أن مخطط إخضاع سوريا بدأ منذ 2003 بعد سقوط بغداد وبالتوازي مع كشف المخابرات المصرية مخطط نقل السلطة للإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي.
ومنذ ذلك الحين بدأت عملية المخابرات الأمريكية التي حملت اسم «الياسمينا الزرقاء» والتي لم تقتصر مضامينها علي سوريا بل تعدتها إلي دول عربية أخري لتشمل كل ما حصل في مسار ما سمي بثورات الربيع العربي والذي كان في حقيقته يهدف إلي تفكيك الأنظمة القائمة ونقل السلطة إلي جهات أخري علي رأسها حركة الإخوان باستثناء سوريا والعراق والتي أريد لهما إيصال الأمور فيهما إلي مرحلة التقسيم علي أساس كيانات مذهبية.
إنها أمريكا التي تقود أكبر مؤامرة ضد دول المنطقة لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، ولكن ستمني مساعيها بالفشل الذريع وسيخيب فألها في النهاية.