الوفد
عباس الطرابيلى
لماذا: كل احتفالاتنا بالأكل؟
هل هى عادة مصرية، فى الاحتفالات، أم عادة فى العالم كله.. أقصد لماذا تكون كل احتفالاتنا.. بالأكل والأكل الكثير. وما أسوأ حفلات الطعام عندنا إذا كانت «أوبين.. بوفيه» فالمصرى يملأ طبقه بما لا يتفق مع بعضه، المهم أن يحمل طبقاً مملوءاً عن آخره بالطعام ومنهم من يحمل طبقين.. والمؤلم أن من يفعل ذلك.. لا يأكل كل ما يضعه فى الطبق.. ويكون مصير الطبق هو القمامة!! يعنى إيه الكلام ده.
يعنى فى الأفراح ـ وما أدراكم ما الأفراح من طبقة الخمسة نجوم، وكذلك احتفالات السفارات العربية بأعيادها القومية والمناسبات المختلفة.. حيث يدعى المئات.. يكون الهدف هو الاندفاع إلى البوفيه.. ولأن المصرى يعشق الجمبرى والسيمون فيميه.. ولحم الضأن المشوى فإن الزحام يكون شديداً عند هذه المفضلات عند كل المصريين.. بل سمعت مرة وأنا أقف فى الطابور ـ أمام الجمبرى ـ من يقول لصاحبه: ياعم هنا تأكل الغموس بس. يعنى بلاش تملأ بطنك أرز وخبز.. ومحاشى عليك فقط «بالزفر» ولمحت مرة من ينتزع عنوة ـ فى أحد الأفراح ـ رقبة خروف مشوى ويحملها فى طبقه.. ويمضى سريعاً ليضعها على مائدته!!
<< ونحن نحتفل بالربيع فى عيد شم النسيم بأكل الفسيخ والسردين والملوحة والرنجة ونتبعها بالخس والملانة والخيار لتخفيف مضار كل ذلك.
ونحتفل بشهر رمضان ـ الذى يفترض انه شهر للصيام ـ بالأكل على امتداد 30 يوماً.. ونسينا حكمة الصيام.. فإذا جاء عيد الفطر احتفلنا ـ ليس فقط فى أيامه الثلاثة رغم أن العيد دينياً هو يوم واحد فإننا نحتفل بأكل الكعك والغريبة والبتى فور والبسكوت والسفوفية والقرصة، أى الخضراء!!
ونحتفل بعيد الأضحى، الذى هو أيضاً يوم واحد، وعلى مدار أربعة أيام بأكل اللحوم.. ولابد من الإفطار فى اليوم الأول على الكبدة والكلاوى ومعها أطباق الفتة بالخل والثوم واللوبيا ـ وليس الفاصوليا الجافة ـ ثم نتبع كل ذلك بأكل الممبار ولحمة الرأس والمخ واللسان.
<< أيضاً نحتفل بيوم مولد رسولنا الكريم عليه أطيب التحية وأفضل سلام، بالأكل أيضاً، فنحن نأكل بهذه المناسبة الأرز باللبن والعسل الأسود والتمر الملدن!!
فإذا جاءت مناسبة «عاشوراء» فنحن نحتفل بها يومين. يوماً قبلها هو يوم «تاسوعاء» أى نوسع على أسرنا بأكل البط المحشى وتوابعه.. ثم يجىء يوم عاشورا فنحتفل فيه بأكل أطباق «العاشورة» وهى تصنع من القمح بالحليب. وياسلام لو أضفنا إليها شوية زبيب وشوية جوز هند مبشور، وعلى الوش شوية مكسرات وتجود أكثر لو أضفنا إليها شوية «ماء زهر» أو ماء ورد!!
<< ونحتفل مع إخوتنا المسيحيين بعيد ميلاد المسيح، سواء مع من يتبعون الكنيسة الكاثوليكية بعيد الميلاد أى رأس السنة.. أو من يتبعون الكنيسة الأرثوذوكسية يوم 7 يناير بالأكل ولابد من وجود الديك الرومى، التركى، أو الدندى المطبوخ بعصير البرتقال والزبيب والمكسرات.. وتوابع كل ذلك.. وان كان البعض يفضل أن يكون مع هذا التركى «أو ديك الحبش» القرع العسلى الذى نصحنا نبينا الكريم بأكل اليقطين.. الذى هو القرع العسلى.
<< وفى أعياد الميلاد، للكبار والصغار أيضاً، نحتفل.. فنأكل أيضاً حتى ولو كانت مجرد ساندوتشات كايزر بالجبن المتنوع واللحوم الباردة والمخ ومصنعات اللحوم الأخرى.. ولابد مع كل هذا من التورتة والجاتوه.. ومازال الدمايطة يطلقون على هذا الجاتوه كلمة «بسطة» وهى بالمناسبة الكلمة الإيطالية واليونانية.. للجاتوه.. وكذلك فى العزاءات.. يحرص أهل الفقيد على تقديم الطعام لمن جاء معزياً. وغالباً ما يقدم هذه الصوانى جيران الراحل العزيز لأن أهل المتوفى ليس عندهم وقت لإعداد الطعام فيتبرع الجيران فى التسابق لتقديم الطعام.. لوفود المعزين. وتلك مشاركة مازالت منتشرة فى الريف والصعيد.. وهو نوع من التكافل الاجتماعى.. الطيب.
<< وهل يحمل إقبالنا على الأكل معنى المشاركة فى العيش والملح.. وأهو عيش وملح للتقريب بين الناس.
أم تجرى هذه الطقوس.. لأننا شعب «طفس» يعنى يولد يأكل يفرح يأكل.. ويموت أيضاً.. وهو يأكل.. أم أننا فى مقدمة الشعوب التى تعتبر الطعام أمراً أساسياً. وهل تتذكرون فيلم اللعب مع الكبار للعبقرى عادل إمام، عندما كان يذهب إلى الأفراح ليأكل ما لذ وطاب.. مجاناً، وعلى «خساب» صاخب المخل.. وأوعوا تنسوا النقطة على حرف «الخاء».
<< إحنا فعلاً «شعب طفس» نأكل وفى أى مناسبة.. حتى فى الموت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف